قولُه: «فَمَنْ هَمَّ»
أي: عَزَمَ ونَوَى، «بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا» لم يَتمكَّنْ من
عَمَلِها، أو انشَغلَ عَنها ولم يَترُكْها زُهْدًا بها، وإنَّما تَرَكَها لصارِفٍ
صرَفَه، ونيَّتُه الصَّالحَةُ باقيةٌ «كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ
حَسَنَةً كَامِلَةً» فهذهِ يَكتُبُها اللهُ لهُ حسنةً كاملةً؛ لأنَّ هذا عَملٌ
قَلبيٌّ ومُستَمرٌّ ولم يَتراجَعْ عنهُ.
قال: «فَإِنْ هُوَ
هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى
سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ» واللهُ سُبحانه يُضاعِفُ
الحَسناتِ فَضْلاً منهُ وإحْسانًا؛ كما قال تعالى: ﴿مَنْ
جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: 160]، وقال في الآيةِ
الأُخْرى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245]، ولم يُحدِّدْ هذه الأضْعافَ فلا يَعْلَمُها
إلاَّ هُو، وفي الآيةِ الأُخْرى قالَ سُبحانه: ﴿مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ﴾ [البقرة: 261]، يُضاعِفُ إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ، وهذا - واللهُ
أعلَمُ - بحَسبِ نِيَّةِ العامِلِ وقُوَّةِ إيمانِهِ، أو بحَسبِ المَكانِ
والزَّمانِ، أو الحالةِ الَّتي تُؤدَّي فيها الحَسنةُ، فيُضاعِفُ اللهُ له
أضْعافًا مُحدَّدةً، وأضْعافًا غيرَ مُحدَّدةٍ، فَضْلاً منهُ وإحسانًا، هذا
بالنِّسبةِ للحَسناتِ في القَلبِ أو في العَملِ.
ثمَّ قالَ: «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» يعني: نَوَى أنْ يُذنِبَ ذَنْبًا لكنَّه تَرَكَه ولم يَعْمَلْه خَوفًا مِنَ اللهِ عز وجل، فإنَّ اللهَ يَكتُبُها له حسنةً واحدةً على نِيَّتِه؛ لأنَّ النِّيَّةَ عَملٌ قلبيٌّ، وتَرْكُه لها خَوفًا منَ اللهِ عمَلٌ قَلبيٌّ أيْضًا، فيَكتُبُها اللهُ لهُ حسنةً؛ لأنَّه تَرَكَها خَوفًا