الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284]، شقَّ ذلكَ على الصَّحابَةِ أنَّ اللهَ سيُحاسِبُهم على خَطرَاتِ النُّفوسِ، وخَطراتِ القُلوبِ، وقلَّ مَن يَسلَمُ مِن ذلك، فشَقَّ ذلك عَلَيهم، وجاءُوا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَشتَكُون، وقالوا: كُلِّفنا مِنَ العَملِ ما لا نُطيقُ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»([1])، فقالوا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة: 285]، واستَسْلَموا، وآمَنُوا باللهِ، فأنزَلَ اللهُ قوْلَه تَعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: 285]، ثمّ أنزلَ اللهُ تَعالى بعدَما آمَنوا بهذا واستَسْلَمُوا ولم يَعتَرِضُوا، قوْلُه تَعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286]، ففَرَّجَ اللهُ عنْهُم ونَسخَ الآيَةَ الَّتي قَبْلَها: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284]، نَسَخَ اللهُ ذلك بهذه الآية: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، قالَ اللهُ: «قَدْ فَعَلْتُ» فاستَجابَ اللهُ هذه الدَّعواتِ منًّا مِنهُ وكَرَمًا، فلهُ الحَمدُ والمِنَّةُ، وهو سُبحانه يَختَبِرُ العبادَ،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (125).