×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

الحديث الأربعون

عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».

وكانَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يقولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ». رواهُ البُخاريُّ([1]).

 

هذا الحديثُ فيه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَخذَ بمَنكِبيِّ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أي: أمْسَكَ صلى الله عليه وسلم مَنكِبَيْه لأجْلِ أنْ ينتبه لمَا يقولُه له، وفي هذا تواضُعُه صلى الله عليه وسلم وحِرْصُه على النَّصيحَةِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، هذه وصيَّةٌ جامعَةٌ، وكلامٌ جامعٌ من جوامِعِ الكَلمِ، «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ» يعني: لا تَنبَسِطْ في الدُّنيا وتَشتَغلْ بها عنْ آخِرَتِك.

والغَريبُ: هو الَّذي يكونُ في بَلدٍ غيرِ بَلدِه، فإنَّ الغَريبَ إذا كان في بلَدٍ ليسَت بَلدَهُ لا يَنبسِطُ فيها، ولا يَطمَعُ في السُّكْنى والاستِمرارِ فيها، وإنَّما يكونُ على أُهْبَةِ الاستِعدادِ للرُّجوعِ إلى بلَدِه. والدُّنيا ليسَت دارًا للمُسلِمِ، إنَّما دارُ المُسلمِ هيَ الجنَّةُ، وهو وُجِدَ في الدُّنيا من أجْلِ أن يَعملَ للجنَّةِ، فيَأخذُ حاجَتَه منَ الدُّنيا ليَستعينَ بها على عَملِ الجنَّةِ،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6416).