×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» والقُرابُ معناهُ المِلءُ، «لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَْرْضِ» يعني: مِلءَ الأرضِ الواسعةِ، فلو مَلأتَها كلَّها خَطايا، ولكنَّك سَلِمْتَ مِنَ الشِّركِ باللهِ عز وجل، فإنَّك لا تَيأسُ من مَغفرَةِ اللهِ لكَ، وهذا كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48]، فالذّنوب التي دونَ الشِّركِ هيَ تَحتَ مَشيئةِ اللهِ: إن شاءَ عَذَّبَ صاحِبَها ثمَّ أُخْرجَ منَ النَّارِ وأُدخِلَ الجنَّةَ، وإنْ شاءَ عفا عنهُ مِن أوَّلِ وَهْلَةٍ ولم يَدخُلِ النَّارَ.

فدَلَّ هذا على خَطرِ الشِّركِ - والعِياذُ باللهِ - وأنَّ الشِّركَ لا يَصحُّ معهُ عَملٌ، ولا يَطمَعُ صاحِبُه بمَغفرَةِ اللهِ ما لم يَتُبْ منْهُ، فمَن ماتَ على الشِّركِ فإنَّ اللهَ لا يَغفِرُ له، ومَن ماتَ على التَّوحيدِ ولو كانَ عاصيًا وفاسِقًا ومُرتَكِبًا لكَبائرَ دونَ الشِّركِ، وفيه سَعةُ رَحمةِ اللهِ وعَفوِه، وأنَّه إنَّما يكونُ لأهْلِ الإيمانِ وأهْلِ التَّوحيدِ، «لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» مغفرةً تَملأُ الأرضَ مِثْلَما تَملَؤُها الذُّنوبُ، ومغفرَةُ اللهِ أوسَعُ، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم: 32]، لا يَتعاظَمُها شَيءٌ منَ الذُّنوبِ.

فهذا حديثٌ عظيمٌ فيه هذهِ الجُملُ الثَّلاثُ الَّتي فيها البِشارَةُ لأهْلِ الإيمانِ وأهْلِ التَّوحيدِ، وفيها الإنذارُ لأهْلِ الشِّركِ والكُفرِ باللهِ عز وجل، وحثَّهم على المُسارعةِ للتَّوبةِ منَ الكُفرِ والشِّركِ قَبلَ المَوتِ، فمَن ماتَ وهو مُشرِكٌ فلا طَمَعَ له في مَغفرَةِ اللهِ عز وجل، وأمَّا مَن ماتَ على التَّوحيدِ فهوَ وإنْ كان عندَه ذُنوبٌ ومُخالفاتٌ كثيرةٌ تَملأُ الأرضَ فإنَّ اللهَ يَغفِرُ له بتَوحيدِه للهِ عز وجل، وبَراءَتِه منَ الشِّركِ، فهذا فيهِ فَضلُ التَّوحيدِ وما يُكفِّرُ


الشرح