×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

بَابُ: حُرْمَةِ مَكَّةَ

*****

مكة لها حُرْمة، والحُرْمة: مأخوذة من التحريم وهو المنع في اللغة، والمحرم: هو الممنوع منه.

فمكة المشرفة لها حَرَمٌ من حولها، له حدود، وُضِعت عليه أميال -أي: أعمدة- من كل جانب.

وهذا الحَرَم لا يُنَفَّر صيده، ولا يُقْطَع شجره، ولا يُخْتَلَى خَلاَه -أي: عشبه-؛ يعني: لا يُقْطَع العشب ولا الشجر الأخضر، ولا تُلتقَط لُقطته، إلاَّ لمن يريد أن يبحث عن صاحبها، ويَنشد حتى يجد صاحبها.

وهذا الحرم مَن دخله كان آمنًا؛ فلا يجوز أن يُعتدَى على أحد فيه، مَن دخله كان آمنًا، أي: أَمِّنوه.

وكانوا في الجاهلية على كفرهم يحترمون هذا الحرم، يَلْقَى الرجل قاتل أبيه أو قريبه، فلا يتعرض له في الحرم حتى يخرج من الحرم. فهذا الحرم جعله الله آمنًا: ﴿وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ [القصص: 57]، ﴿أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنٗا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنۡ حَوۡلِهِمۡۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَكۡفُرُونَ [العنكبوت: 67].

فكانوا في الجاهلية عندهم قتل وقتيل وغارات وتارات وحروب. أما إذا جاءوا إلى الحرم، استكانوا وأمسكوا عن القتال.

الله جل وعلا يقول: ﴿وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ [البقرة: 191]. فهذا الحرم له حرمة، فمَن دخله كان آمنًا.


الشرح