المجلس الأول
في الفرح بقدومِ شهر رمضان
****
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على عبدِهِ ورسولِهِ نبيِّنا
محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابهِ، وسلم تسليما كثيرا.
نحمدُ الله سبحانه وتعالى أنْ منَّ علينا ببلوغِ هذا الشهرِ، ونسألهُ
سبحانه وتعالى أنْ يعيننا وإياكُم فيه على صالِح الأعمالِ، وأنْ يتمِّه علينا
وعليكُم بخيرٍ وعملٍ صالح، الْمُسْلِم عَلَى خَيرٍ دَائِما، ولا سيما إِذا مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْهِ بِإِدْرَاك شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاسِم -
مَوَاسِم العبادة - وَوَفَّقَه لاغتنامها واستكمالها فِيمَا شُرِعَتْ مِنْ
أَجْلِهِ؛ بِخِلاَفِ أَهْلِ الْحِرْمَان الَّذِين تَكُون حَيَاتهم عَلَيْهِم
وَبَالا، تَمر عَلَيْهِم أَيَّام الْخَيْر وَشُهُور الْخَيْر وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ، فَالإِْنْسَان إمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَوْقَاته بِالْخَيْر، فَتَعُود
عَلَيْه بِالنَّفْع، وَأَمَّا أنْ يَسْتَعْمِلَ أَوْقَاته بِالشَّرّ فَتَعُود
عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ
نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» ([1]).
فالإنسانُ هو الذي يُربِّي نفسه ويقُومُ عليها؛ فإنْ رعاها بالخيرِ وزكَّاها بالطاعةِ وأخذ بِزِمَامِهَا إِلَيّ ما يَنْفَعُهَا، فَإِنَّه يكونُ قدْ أَحسَنَ الرِّعَايَة -رعَايَة نَفْسِهِ أَوَّلا، ثُمّ الرِّعَايَة لِغَيْرِه، لَكِنْ إذَا ضَيَّعَ نَفْسَهُ فَلَن يرعي غَيْرِه- فَإِذَا تَرَكَ نَفْسَه وَما شَاءَتْ مِنَ الْمعاصِي وَالْكَسل، فَيَكُونُ قَدْ ضَيَّعَ نَفْسَهُ، وَإِذَا ضَيَّعَ الإِْنْسَاُن نَفْسَه، فماذا يحفظُ بعد نفسِه؟! نفسُه أعزُّ شيءٍ عنده، ولهذا يقول سبحانه: ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩﴾ [الشمس: 7- 9] ﴿زَكَّىٰهَا﴾ يعني: طهَّرها مِنَ المعاصي ومِنَ الذنوب، وكمَّلها بالطاعاتِ والحسناتِ،
الصفحة 1 / 128