المجلسُ الثاني
في وجوبِ اغتنام أوقاتِ الشهرِ بالأعمالِ الصالحةِ
****
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله؛ أمَّا بعدُ:
فإنَّ فضائِل شهرِ رمضانَ كثيرةٌ ومتعددةٌ، وكُلٌّ يأخذُ مِنْ هذه الفضائِل
ما وفّقَهُ اللهُ إليه؛ فمنهم مَنْ يستكْمِلهَا، وهذه حالةُ السلفِ الصالحِ،
فإنَّهم كانوا يفرحون بشهرِ رمضانَ؛ مع أنَّهم في كُلِّ العامِ وَهُمْ على الجدِّ
والاجتهادِ قيام الليلِ وصيامِ النهارِ، مَعَ مَا هُمْ فيه منَ الجهادِ في سبيلِ
اللهِ وطلبِ العلمِ والأعمالِ الصالحةِ، لكنْ كانوا يفرحُونَ بهذا الشهرِ؛ لمَا
يعلمُونَه فِيهِ مِنْ زيادَة الخيرِ، وهم يحبُّون الخيرَ وَكُلَّ ما يُقرِّبُ إلى
الخيرِ، فكانَ السلفُ الصالحُ يغتبطُونَ بهذا الشهرِ، ويخصُّونَه بأنواعِ مِنَ
الاجتهادِ، ويتفرَّغُون في هذا الشهرِ، ويدعون اللهَ أنْ يبلِّغَهُم إيَّاه، ثُمّ
يدعُونَه أنْ يتقبَّله منهم، ومن كان دُونَ حالهِمْ فإنَّه يستفيدُ مِنْ هذا
الشهرِ بقدر ما يَمُنّ اللهُ به عليه، إنْ لم يُفسِدْهُ بالسيئاتِ والغفلاتِ،
فشهرُ رمضانَ لهُ فضائلُ عظيمةٌ؛ أعظم فضيلةِ لشهرِ رمضانَ أنَّ اللهَ خصَّه
بالصيام الذي هو ركنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ، فجعلَ هذا الركنَ العظيمَ يؤدَّى في
هذا الشهرِ، فكَفَى بهذا شرفًا وفضلاً لهذا الشهرِ أنَّ اللهَ خصَّه بأداء ركنٍ
مِنْ أركانِ الإسلامِ فيه، وهو الصيامُ.
ومن فضائِلهِ: ماَ نوَّه اللهُ تعالى به، وهو إنزالُ القرآنِ العظيمِ، قال تعالى:﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ﴾[البقرة: 185] فهذه فضيلةٌ عظيمةٌ؛ حيثُ إنَّ هذا الزمان خُصَّ بإنزالِ أعظم كتاب مِنْ كُتُبِ اللهِ، وهو القرآنُ العظيمُ، ويؤخذ من هذا: أن لتلاوة القرآن في هذا الشهر
الصفحة 1 / 128