×
مَجَالِس شَهْرِ رَمَضَانْ

 المجلس الثالث

 في بيان فضائل الصيام

****

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وبعد:

فالصيام من أفضل الأعمال؛ لأن العبد يؤثر رضا ربه على شهوة نفسه، فيحرم نفسه الطعام والشراب ومشتهياتها ولذاتها، وقد يكون محتاجًا أشد الحاجة إليها، كالعطشان الذي تشتد حاجته إلى الماء، وكالجائع الذي تشتد حاجته إلى الطعام، ومع ذلك يترك طعامه وشرابه وما تشتهيه نفسه، وهو متمكن من تناوله وبين يديه، ولكنه يتركه طاعةً لله سبحانه وتعالى، ويتقرب إلى ربه بترك مألوفاته ومشتهياته؛ فلذلك كان الصيام أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ ففي الحديث القدسي: «أنَّ اللهَ جل وعلا يَقولُ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَأَنَّهُ تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي، ولخلوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ([1]).

وخلوف فم الصائم: هو الرائحة التي تكون في فيه أثناء النهار؛ لخلو معدته من الطعام، فيتصاعد منها أبخرة فيها رائحة يكرهها الناس، ولكن هذه الرائحة محبوبة إلى الله، وهي عنده أطيب من رائحة المسك؛ لأنها ناشئة من طاعته، وهي أثر من آثار عبادته، فالله يحبها، وهي طيبة عنده، وإن كانت مكروهة في مشام الناس.

وهذا مما يدل على فضل الصيام، ولذلك أوجبه الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة، قال تعالى:﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ[البقرة: 183]. ومعني كتب: فَرَضَ،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1894)، ومسلم رقم (1151).