المجلس الثامن عشر
في فضل الصيام
****
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد صحَّ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل،
وهو ما يسمى بالحديث القدسي: «أَنَّ اللهَ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يَقُولُ: إِنَّ الصَّوْمَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ([1])، فهذا من فضائل
الصيام من بين سائر الأعمال؛ أن الله سبحانه وتعالى اختصه لنفسه، فقال: «الصَّوْمَ لِي». أما بقية الأعمال فإنها
لصاحبها، تقربه إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن هي عرضة للقصاص وللمظلومين، فإن
الإنسان في هذه الدنيا إذا كان عليه ديون وله غرماء، فإن الغرماء يأخذون أمواله
التي عنده، حتى قد لا يبقى له شيء إلا قوته هو وأولاده، وقد يصبح فقيرًا معدمًا؛
لأن الغرماء أخذوا أمواله، وإن كان عنده أموال كثيرة، فإذا كانت أمواله أقل مما
عليه من الديون أو مساوية لما عليه من الديون، فإن الغرماء يأخذونها ولا يبقى له
شيء، فيصبح فقيرًا بعد أن كان غنيًّا، هذا في الدنيا.
وكذلك في الآخرة: يأتي أناس بأمثال الجبال من الأعمال الصالحة، لكن يأتي وقد ظلم هذا، وأخذ مال هذا، وقد ضرب هذا، وقد شتم هذا؛ فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى لا تبقى له حسنة، فيُطرح في النار؛ لأنه ما بقي له حسنة يدخل بها الجنة، فيصبح معدمًا من الحسنات، وهو قد جاء بأمثال الجبال، ولكن راحت للغرماء!
الصفحة 1 / 128