أمَّا الصيام: فإنه يدخره الله لصاحبه؛ لأنه لله عز وجل، فيدخره
لصاحبه ويجزيه به، ويدخله به الجنة، فهذا دليل على فضل الصيام.
وقيل في تفسير الحديث: إن الأعمال الصالحة تضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف، كما قال الله تعالى:﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ
يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ﴾[البقرة: 261]، فالحبة الواحدة تنبت سبعمائة حبة، كذلك
الحسنة يضاعفها الله فتكون سبعمائة حسنة، وقد يزيد الله من فضله وإحسانه على
السبعمائة:﴿وَٱللَّهُ
يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ﴾ أمَّا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه بعددٍ، بل لا يعلم
ثوابه إلا الله، فهو مستثنى من الأعمال على هذا الوجه، في أن الأعمال تضاعف إلى
عشر حسنات إلى سبعمائة حسنة، إلى أكثر من ذلك، لكن الصيام غير محدد مضاعفة؛ لأنَّ
الصيام من الصبر، والله جل وعلا يقول:﴿إِنَّمَا
يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ﴾ [الزمر: 10] لأن
الصبر مقامه عظيم، وهو: الصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على
أقدار الله، فلذلك صار ثوابه عظيمًا، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولهذا جاء
ذكر الصبر في القرآن في أكثر من سبعين موضعًا؛ لأنه لا يوفق للصبر إلا مَن وفقه
الله سبحانه وتعالى؛ قال تعالى:﴿وَمَا
يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ
عَظِيمٖ﴾ [فصلت: 35]، فالصبر يتوفر في الصيام بأنواعه الثلاثة:
ففيه صبر على طاعة الله؛ فالصائم يصبر على طاعة الله، فيترك شهواته وملذاته، ويحبس
نفسه عن طاعة الله عز وجل.
وكذلك فيه صبر على محارم الله، فإن الصائم يمنع نفسه من المحرمات جميعها، يمنعها ويحبسها عن المحرمات جميعها، ما دام أنه صائم، فإنه لا يليق به أن يفعل محرمًا أو أن يتكلم بحرامٍ، أو أن ينظر إلى حرام، أو أن يستمع إلى حرامٍ، بل يمنع نفسه من المحرمات بجميع أنواعها، قولية كانت أو فعلية؛