المجلس الثامن
في ذكر أشربة أهل الجنة
****
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،
وبعد:
ذَكَر الله سبحانه وتعالى أشربة أهل الجنة، فقال سبحانه وتعالى:﴿فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن
مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ
وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ
مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ﴾[محمد: 15]، هذه
الأشربة هي أشربة أهل الدنيا، قد ذكر الله سبحانه وتعالى أنها في الجنة، ولكن
تختلف عما في الدنيا وعما يعرفه الناس، وإن كانت تشترك في الاسم وتشترك في المعنى،
ولكن تختلف في الحقيقة والكيفية، فالأشربة التي في الدنيا تنقطع، وأما أشربة الجنة
فإنها لا تنقطع أبدًا، والأشربة التي في الدنيا قليلة كمياتها، ولكن الأشربة التي
في الجنة: أنهار تجري، والأشربة التي في الدنيا تتغير وتفسد، فالماء إذا حبس فإنه
يأسن وينتن، وأما الماء الذي في الجنة فإنه لا يتغير أبدًا ولا يفسد، سواء كان
جاريًا أو كان محبوسًا. واللبن الذي في الدنيا إذا تأخر يفسد وتصيبه الحموضة
والانقباض، وربما يتخمر؛ أمَّا لبن الجنة فإنه لا يتغير طعمه أبدًا، مهما طال
البقاء ومهما تأخر استعماله، فإنه دائم طيب لا يتغير.
والخمر التي في الدنيا خبيثة منتنة، مُزيلة للعقل مُسْكرة، تجر على أصحابها الويلات؛ تجر عليهم الفساد وذهاب العقول، فهي أمُّ الخبائث وقد حرمها الله ورسوله، وأجمعت الشرائع على تحريم خمر الدنيا، وأيضًا تورث المرض في الجسم، ويصاب مدمنها بفساد جسمه،
الصفحة 1 / 128