لأنه يعلم أن هذه المحرمات
تخل بصيامه وتجرح صيامه، فهو يمنع نفسه عنها إطلاقًا، وهذا قلَّ من يوفق له.
وفيه صبر على أقدار الله المؤلمة، وهو ما يصيب الإنسان في الصيام من الجوع
والعطش، فلا شك أنه يتألم من الجوع ويتألم من العطش وهو صائم، فيصبر على هذا
الألم؛ لأنه يعلم أنه بقضاء الله وقدره، فهو يصبر عليه إلى أن يأتي وقت الإفطار،
وقد يكون وقت الإفطار متأخرًا جدًّا إذا كان النهار طويلاً في الصيف، فيعطش أول
النهار، أو يجوع أول النهار، ثم يصبر إلى آخر النهار، فهذا فيه ثواب عظيم؛ لأنه
ترك هذا وصبر على ألمه لله عز وجل، فلذلك الله جل وعلا يوفيه أجره بغير حسابٍ يوم
القيامة.
فالصائمون يوم القيامة يوفون أجورهم بغير حسابٍ؛ أما بقية الأعمال فإنها
لها حساب: عشرة أضعاف، سبعمائة ضعف، أكثر، أقل، أما الصيام فإنه لا حدَّ لتضعيفه،
وهذا لمن حفظ صيامه من المؤثرات والمكدرات، واحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى.
وكذلك ما جاء في الآية الكريمة:﴿كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ﴾[الحاقة: 24] قيل: إنها نزلت في الصائمين الذين منعوا أنفسهم في الدنيا من ملذاتها بالصيام، وصبروا على ذلك، في يوم القيامة يقال لهم:﴿كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ﴾يعني: قدمتم﴿فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ﴾يعني: الصيام الذي صمتموه في الدنيا، ومنعتم أنفسكم من الأكل والشرب، فيقال لهم: الآن كلوا واشربوا هنيئًا؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فلما منعوا أنفسهم في الدنيا من شهواتها، وصبروا على الجوع والعطش طاعة لله سبحانه وتعالى، عوَّضهم الله يوم القيامة فقال لهم:﴿كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيَٓٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ﴾ يعني: بسبب ما قدمتم﴿فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ﴾يعني: الأيام الماضية، أيام الدنيا، وهذا خاص بالصائمين،