هذا هو الذي زكَّى نفسه،﴿وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾[الشمس: 10] يعني:
دسَّاها بالذنوبِ والمعاصِي والسيئاتِ، وأهملها وتركها وما تُريدُ، ولهذا يقول
سبحانه وتعالى:﴿يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ
ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ ٣٥وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ٣٦﴾[النازعات: 35، 36]،﴿وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ﴾يعني: أظهرتْ﴿لِمَن يَرَىٰ﴾: يراها بعينهِ،
نحنُ في هذه الدنيا ما رأينا النار، ما رأينا الجحيم التي ذكرها اللهُ، إنما هي
مِنْ عالم الغيبِ، نؤمنُ بها، ونعملُ الأعمال التي تُجنِّبنا إيَّاها، ونحن لم
نرها، لكن في الآخرةِ يراها الإنسان عيانا أمام وجْههِ،﴿وَبُرِّزَتِ
ٱلۡجَحِيمُ﴾بعد أنْ كانتْ مِنْ علمِ الغيبِ وكانتْ خفية، بُرزت
وظهرت أمام الناس.
﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ٣٧وَءَاثَرَ
ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ٣٨﴾ [النازعات: 37، 38]، وبئس المأوى - أعوذُ بالله -
مأواهُ النارُ لا يجدُ مأوى غيرها، نسألُ الله العافيةَ.
﴿ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِۦ﴾[النازعات: 40] خاف عرْضهُ على ربِّه وقيامه بين يديه
يحاسِبُه، وكُلُّ عبد سوف يلقاه، ويقفُ بين يديْه، ويحاسِبُهُ اللهُ عز وجل:﴿خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ ﴾، خافه في هذه
الدنيا، فعمِل مِنْ أجله واستعدَّ للقاءِ الله.
﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١﴾: [النازعات: 40- 41] هي المستقرُّ الدائمُ، جنةٌ عرضها السماواتُ والأرضُ، وأما النَّارُ - والعياذُ باللهِ - فهي ضيقٌ وضنكٌ وشدةٌ، وبؤسٌ وألمٌ،﴿هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾ هي المستقرُّ لا يرجو أن يخرجَ منها، وإنما هِي مأواه دائمًا وأبدًا، فما الفرقُ بين منْ كانتِ النارُ مأواه ومنْ كانتِ الجنةُ مأواه؟! فرقٌ عظيمٌ، ولا يخطرُ بالبالِ.