وهذا انقسامُ الخلقِ يوم
القيامة: فريقٌ في الجنةِ، وفريقٌ في السعيرِ، والسببُ: عملُ الإنسانِ في هذه
الدنيا من خيرٍ أو شرٍّ، واللهُ جل وعلا جعل لعبادِهِ المؤمنين أوقاتًا يتقرّبُون
إليه فِيها بالطاعاتِ، ويؤدُّون ما أوجب اللهُ عليهم، فيفوزون برضى اللهِ عز وجل،
ويدخُلونُ جنَّته يومَ القيامَة؛ وأمَّا إذا أهمَلُوا ما أوصَاهُم به ربُّهُم عز
وجل، واتبعُوا أهواءَهُم وشهواتهم وضيَّعُوا فرائِضَ الله، وارتكُبوا ما حرَّم
الله، فإنَّ الله أعدَّ لهم:﴿نَارٗا
وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا
يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾[التحريم: 6].
فأنتَ - أيُّها المسلمُ - في هذا الشهرِ فُتِحَت لك الأبوابُ، وُسهِّلتْ
عليك الطرقُ إلى الجنةِ في هذا الشهرِ - كما أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم -
أنَّها تُغَلَّقُ فيه أبوابُ النيرانِ، وتُفتَّحُ أبوابُ الجنانِ للمؤمنين ([1])؛ المؤمنون
تُغَلَّقُ عنهم أبوابُ النيرانِ في هذا الشهر، ويُقبِلُونَ على طاعةِ اللهِ،
وتُفَّتُح لهم أبوابُ الجنانِ.
أمَّا الأشقياءُ فإنَّ أبوابَ النيران مفتوحةٌ لهم دائمًا؛ لأنَّهم لا يعرفون هذا الشهرَ ولا يعرفون غَيْرَه، وإنما هَمُّهمْ بُطُونُهم وشهواتُهم وما يكملُ لهم حظوظهُم في هذه الدنيا الفانيةِ، فهؤلاء لا قيمةَ لهذا الشهرِ ولا لغيرهِ عندَهُم، وإنَّما كلُّ أيامِهم وشهورِهِم كلُّها خسارةٌ عليهم، مع أنَّهم يتمتعون بالعقولِ والأسماعِ والأبصارِ، وبيِّن لهم الطريق، ولكنهم تعامَوْا عن ذلك، فلا قلوبُهُم ينتفِعُون بها، ولا أسماعُهُم ولا أبصارُهُم، ولهذا يقولون يومَ القيامةِ:﴿لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [الملك: 10] يعني: نسمعُ سماعَ قبولٍ، ونعملُ عقلَ فهمٍ، فُهمْ لهم عقولٌ،
([1]) كما جاء في الحديث الذي أخرجه: البخاري رقم (3277)، ومسلم رقم (1079).