هذا نموذج من قيامه صلى الله عليه وسلم، وكان في ركوعه في الطول نحوًا من
قيامه، وسجوده نحوًا من ركوعه عليه الصلاة والسلام.
وأمَّا في الصيام فكان صلى الله عليه وسلم كثير الصيام حتى يقول القائل: لا
يفطر، وكان يفطر عليه الصلاة والسلام حتى يقول القائل: لا يصوم، فكان كثير الصيام،
وكان كثير الإفطار، عليه الصلاة والسلام.
وفي الجهاد في سبيل الله كان أشجع الشجعان، وكان في مقدمة الجيوش، حتى إن
الصحابة كانوا يتقون به العدو؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يكون أقربهم إلى
العدو، حتى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وهو أشجع الشجعان؛ كنا نتقي برسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق، كان أقربنا إلى العدو عليه
الصلاة والسلام. هذا من شجاعته عليه الصلاة والسلام في الجهاد والحروب.
وأما في الصدقة والجود، فكان أجود الناس عليه الصلاة والسلام، وكان لا يدخر
شيئًا على كثرة ما يأتيه من مال الله من هنا وهناك؛ من الجهاد والمغانم والهدايا
والأموال، فكان لا يدخر شيئًا، وإنما ينفقه في سبيل الله وعلى المحتاجين، حتى إنه
لما مات عليه الصلاة والسلام كان عليه دَين، وكانت درعه مرهونة عند يهودي بطعام
اشتراه لأهله! لم يترك صلى الله عليه وسلم مالاً ولا تركة، وإنما كان عليه الصلاة والسلام
يعيش مع أصحابه كما يعيش الفقراء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئًا من
المال، وإنما ينفقه في سبيل الله؛ إما في الجهاد، وإما للفقراء والمساكين، وإما
للتأليف على الإسلام، وكان لا يرد سائلاً، حتى لو سأله السائل ثوبه الذي عليه
لخلعه وأعطاه إياه، وقد علمتم قصة الشملة «يعني
العباءة» التي أُهديت للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان محتاجًا إليها، فلبسها
عليه الصلاة والسلام، فسأله إياها سائل فخلعها وأعطاها إياه؛ لأنه صلى الله عليه
وسلم كان لا يرد سائلاً.
هذه صفته صلى الله عليه وسلم في الجود وبذل المال؛ لكن ما كان يبذل المال في التبذير أو الإسراف أو البذخ، وإنما ينفق المال في سبيل الله، ويضعه في مواضعه