فإنها وإن كانت قليلة فإنها طويت على الخير وذهبت شاهدة له عند الله سبحانه
وتعالى بما أودعه فيها، وإن كان قد ملأها بالسيئات والمعاصي والغفلة والمخالفة،
فإنها ستشهد عليه يوم القيامة، ولكن إذا تاب إلى الله واستغفر غفرَ الله له ومَحَا
عنه ما أَسْلفَ من الذنوب والسيئات، والتائب من الذنب كمَن لا ذنب له، وهذا من
لُطف الله ورحمته بعباده أنه يمهلهم وأنه يتقبل توبتهم إذا تابوا إليه ويمحو
خطاياهم، ولكن التقصير يأتي من قبل العبد، فإنه هو الذي يحرم نفسه من هذه اللحظات
ومن هذه النفحات ومن هذه الأوقات المباركة، هو الذي يَحْرم نفسه فتمر عليه من غير
أن يستفيد منها، تمر عليه وقد أضر بنفسه فيها واستعملها في غير ما هو في صالحه،
والله يدعوه ويَقْبله إذا تاب ويفرح بتوبته ويثيبه، والعبد يُعْرِض عن ربه عز وجل،
والله يدعوك وهو غنيٌّ عنك؛ ولكن رحمته وحلمه سبحانه وفضله يدعوك إليه سبحانه وتعالى
لحاجتك ومنفعتك وأنت تعرض عنه، وأنت محتاج إلى الله لا تستغني عنه طرفة عين، وهذا
من العجب من هذا الإنسان، مضى العشر الأول، ولكن بماذا مضى من أعمارنا؟ وبماذا
استعملناه؟ وبماذا طويناه من الأعمال؟
ليتذكر كل منا هذا الأمر في هذه العشر التي مضت وفي غيرها من عمره، فعليه
بالتوبة إلى الله عز وجل واستدراك الباقي من عمره والباقي من مواسم الخير قبل أن
تفوت.
هذه العشر الوسط كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف فيها، والاعتكاف معناه البقاء في المسجد لطاعة الله، كان صلى الله عليه وسلم يبقى في مسجده الليل والنهار يتفرغ للعبادة وتلاوة القرآن والذِّكر؛ لعلمه أن هذه العشر أنها عشر عظيمة، وأنها عشر مباركة، فلا يترك شيئًا منها يفوت بدون أن يستعمله