في طاعة الله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعرف قَدْر الوقت ويعرف قيمة الوقت حقَّ المعرفة، فكان صلى الله عليه وسلم يفرغ من أعماله الجليلة التي كان يزاولها في سائر السنة - وهي كلها عبادات وكلها في طاعة الله وفي صالح الإسلام والمسلمين - ولكنه في هذا الشهر يتفرغ للعبادة والإقبال على الله عز وجل، فكان يعتكف العشر الأوسط يتحرى ليلة القدر التي قال تعالى فيها:﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ ٤﴾[الدخان: 3، 4]، وقال تعالى:﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ٢لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ ٣﴾[القدر: 1- 3]، وهذه الليلة في شهر رمضان قطعًا، ولكنه لا يدرى في أي ليلةٍ من لياليه: يحتمل أنها في أول ليلة، ويحتمل أنها في آخر ليلة، ويحتمل أنها فيما بين ذلك، لا يعلم أي ليلة من رمضان إلا الله سبحانه وتعالى، فقد أخفاها عن عباده وبيَّن فضلها من أجل أن يجتهدوا في جميع الشهر، فيكون أجرهم أعظم عند الله، فمَن اجتهد في جميع الشهر وقام ليالي هذا الشهر، فإنه يكون قد أدرك ليلة القدر، وقد أدرك فضل هذه الليالي كلها، فيكون قد جمع بين فضيلتين: قيام رمضان كله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ([1]). وكذلك أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر؛ أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهذا فضلٌ عظيم في ليلة واحدة، العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، قليل من الناس من يعيش ألف شهر؛ لأن ألف شهر تزيد عن ثمانين سنة، فقليلٌ من الناس من يعمر ثمانين سنة يعمرها كلها في طاعة الله، فمَن وفَّقه الله لهذه الليلة فإن أجرها أكثر وأفضل من العمل في ألف
([1]) أخرجه: البخاري رقم (37)، ومسلم رقم (759).