وقد جاء في الحديث: «مَنْ بَنَى
لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» ([1])، فيلاحظ قوله: «بَنَى لِلَّهِ» يعني: أن يكون قصده وجه
الله سبحانه وتعالى، ونيته وجه الله، ولا يكون قصده المفاخرة أو المدح أو الثناء
أو تخليد الذِّكر، كما يقولون. هذا كله عمل باطل مهما أنفق فيه من أموال.
أمَّا من بنى لله مسجدًا بنية خالصة، فهذا من أفضل الأعمال، وهو الذي يبني
الله له بيتًا في الجنة، وإن كان بناؤه ليس فيه مبالغة وتفخيم؛ فلو بنى مسجدًا
يؤوي المسلمين ولو كان ببناء متواضع، فقد كان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل
المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أول مسجد أُسس على التقوى هو مسجد قباء، وكان
بناؤهما من الحجارة وجذع النخل، فالأعمدة من جذوع النخل، والحيطان من الحجارة،
والسقف من الجريد والسعف، هكذا كان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا نزل
المطر ينزل على الأرض وتصير أرض المسجد طينًا، ومع هذا كان هو أفضل المساجد بعد
المسجد الحرام، والصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه من المساجد، نظرًا إلى القصد من
بنائه، وهو وجه لله سبحانه وتعالى والنية الخالصة.
فليست العبرة بمتانة البناء وزخرفته وزينته، وإنما العبرة بالنية والقصد، لكن إذا اجتمع بناء جيد ونية صالحة فلا شك أن هذا أحسن وأبقى، ليصلي فيه أجيال من المسلمين، فإذا اجتمع بناء قوي ونية صالحة، هذا لا شكَّ خير إلى خير، لكن المدار على النية.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (450)، ومسلم رقم (533).