والاعتكاف معناه: البقاء
في المسجد الليل والنهار، ولا يخرج منه إلا للحاجات الضرورية، وبقدرها، ثم يرجع،
وكلُّ وقته في المسجد ليلاً ونهارًا، حتى إنه كان يخلو عن الناس، وكان أحب إليهم
من كل شيء؛ أحب إليهم من الماء البارد على العطش، وما ترغب أعينهم وتلذ نفوسهم إلا
برؤيته صلى الله عليه وسلم، ومشاهدته والجلوس معه وسماع كلامه عليه الصلاة والسلام،
كان أحب إليهم من أنفسهم، ومن والديهم وأولادهم، ومن كل شيء، ومع هذا كان يعتزل
الناس في هذه العشر، ويجلس في خباء محاط من كل الجوانب، لا يراه أحد؛ ليعبد ربه عز
وجل ويخلو به ويذكره، وهو القدوة صلى الله عليه وسلم.
فينبغي للمسلم: أن يشارك في هذه الخلوة، وهذا الانقطاع في المسجد بحسب
استطاعته؛ إن كان يستطيع أن يعتكف الاعتكاف الكامل فهذا أفضل، وإن كان لا يستطيع
أن يعتكف الاعتكاف الكامل فيشارك ولو بقليل، حسب ما يستطيع من البقاء في المسجد،
والجلوس في المسجد، فهذا اعتكاف حتى وإن قلَّ، فإذا لم تدرك الاعتكاف كله فشارك
ولو بقليل، ٍوالله لا يضيع لديه أجر عامل، بل يضاعفه أضعافًا كثيرة، فاحرصْ على أن
يكون لك وقت في المسجد في كل السنة، لكن في هذه العشر آكد وأولى، فيكون لك وقت في
المسجد تذكر ربك فيه وتعبده، وتتلو كتابه، ويحيا قلبك؛ لأن المسجد مأوى الملائكة
ومأوى الرحمة، ومأوى الخشوع والحضور مع طاعة الله سبحانه وتعالى.
والمساجد فيها سر عظيم؛ ولذلك إذا دخلت في المسجد تجد لذة وتجد فيه انشراح صدر، وتبعد عنك الشواغل والهموم؛ وهو محل العبادة ومأوى الملائكة ومهبط الرحمة، وهو بيتٌ من بيوت الله عز وجل،