وفي الحديث الصحيح المتفق
عليه: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ
يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَكَمَا تَرَوْنَ
الشَّمْسَ صَحوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابَةٌ» ([1])، وذلك لأن الله جل
وعلا يعطيهم في الآخرة قوة يستطيعون بها أن يروا ربهم، أمَّا في هذه الدنيا فإنه
لا يُرى سبحانه وتعالى؛ لأن الناس لا يستطيعون رؤيته؛ لأن الناس في هذه الدنيا ضعاف
الأجسام والمدارك والحواس، فلا يستطيعون رؤية ربهم عز وجل، وأيضًا ليتم لهم
الإيمان بالغيب، الذي هو أعلى درجات الإيمان.
ولهذا لما سأل موسى عليه السلام، وهو كليم الله عز وجل الذي خصه الله بأن كلمه تكليمًا، وأسمعه كلامًا بدون واسطة ملك، بل كلمه سبحانه وتعالى مباشرة، وسمع موسى كلامه وخاطبه، مع هذه المرتبة التي نالها موسى عليه السلام، لما سأل ربه:﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ﴾ اشتاق إلى ربه حينما سمع كلامه وقال:﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ﴾، قال الله له:﴿قَالَ لَن تَرَىٰنِي﴾يعني: في الدنيا؛ لأنك لا تستطيع أن تراني، ثم إن الله أراد أن يريه عجزه عن رؤية الله في هذه الدنيا، فقال:﴿وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ﴾، والجبل لا شك أنه أشد وأقوى من الإنسان وأصلب، ومع هذا لم يستطع الجبل أن يبقى لما تجلى الله له سبحانه وتعالى،﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا﴾: جعله ترابًا منهالاً، اندكَّ الجبل وصار ترابًا من عظمة الله سبحانه وتعالى:﴿وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ﴾ أصابته الغشية، وغشي عليه من الهيبة والجلالة والروعة، وسقط على الأرض مغشيًّا عليه، فلما أفاق وذهب عنه الروع والغشي وعادت إليه صحته وإدراكه، قال:﴿سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الأعراف: 143].
([1]) أخرجه: البخاري رقم (806)، ومسلم رقم (182).