×
تعليقات على كتاب قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين الجزء الثالث

 وقوله: «لعَلِمْتَ أنك في العبادة تلعبُ» يعني: أنقص مما عندنا. وإلا فما هو بلعب. هذه عبادة عظيمة لكنها أنقص من الجهاد في سبيل الله؛ لأن الجهاد في سبيل الله لا يعدله شيء.

قوله:

أو كان يُتعِب خيله في باطل **** فخيولنا يوم الصبيحة تَتعبُ

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا **** وَهَجُ السنابك والغبار الأطيبُ

يقول: إن الغبار في سبيل الله أفضل من أفخر الأطياب عن الناس، والناس يكرهون الغبار لأنه يضر، لكنه إذا كان في سبيل الله فإنه يكون عندهم أطيب من أفخر الأطياب.

فلما قرأ الفضيل هذه الأبيات ذَرَفت عيناه؛ لما فيها من صدق النصيحة، ثم حَدَّث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُصَدِّق به على ما جاء في هذه الرسالة، والذي فيه بيان فضل المجاهد على العابد، وأن المجاهد في سبيل الله أفضل من العابد الذي يقوم الليل كله لا يفتر، وأفضل من الصائم الذي يصوم الدهر كله لا يفطر أبدًا.

فلو قام أحد من صلاة العشاء إلى الفجر كل ليلة، وصام كل يوم، ما عَدَل ذلك أجر المجاهد في سبيل الله.

وهذا مصداق لقول الله عز وجل: ﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةٗۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا ٩٥دَرَجَٰتٖ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا ٩٦ [النساء: 95- 96].


الشرح