هذه السورة ذَكَر الله عز وجل فيها أنواعًا من النعم التي أنعم بها على
عباده، ذَكَّرهم بها من أجل أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئًا، ومن أجل إبطال
عبادة غير الله عز وجل؛ لأن هذه النعم كلها من الله سبحانه وتعالى، فهو المستحق
للعبادة. وأما هذه المعبودات من دونه، فليس لها شيء من هذه النعم.
وأول هذه النعم وأعظمها: إرسال الرسل: ﴿يُنَزِّلُ
ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ
أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ﴾ [النحل: 2]، ثم
عَدَّد الله تعالى بعدها النعم الكثيرة - ولذلك تُسمَّى هذه السورة: «سورة النِّعَم».
ثم قال بعد ذكر هذه النعم: ﴿يَعۡرِفُونَ
نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾.
فهذا الباب عَقَده المصنف لبيان أقوال المفسرين في تفسير هذه الآية، وكلها أقوال
متفقة؛ لأن الآية عامة، وكل ما قيل في تفسيرها عن السلف فإنه حق.
فقوله: ﴿يَعۡرِفُونَ﴾ أي: الكفار
والمشركون.
﴿نِعۡمَتَ ٱللَّهِ﴾في المراد بنعمة
الله أقوال:
الأول: أن المراد بها هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فبعثته أعظم نعمة أنعم الله
بها على أهل الأرض؛ كما في قوله عز وجل: ﴿لَقَدۡ
مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ
أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ
وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]، وقوله:
﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّۧنَ
رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ
وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي
ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الجمعة: 2]، وقوله: ﴿وَمَآ
أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].