ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ
سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ
لِحِمْيَرَ لآِلِ ذِي الكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ،
فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى
مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا
بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ
وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ» ([1]). جاءهم الشيطان
وقال لهم: صَوِّروا صورهم وانصبوها على مجالسهم، حتى إذا رأيتموها تتذكرون مجالسهم
وتتذكرون أحوالهم، فينشطكم ذلك على العبادة! ففعلوا ذلك وصوروا هذه الصور، ونصبوها
ذكريات لهؤلاء الصالحين.
ومضى الجيل الأول ولم تُعبد هذه الصور؛ نظرًا لوجود العلماء الذين ينكرون
الشرك، فلم يجرؤ الشيطان مع وجود العلماء على إغراء الناس بالشرك؛ لأنهم يُبطلون
كيده.
فلما مات العلماء ونُسِخ العلم أو نُسِي، وجاء جيل من الجهال؛ جاءهم
الشيطان وقال لهم: إن آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها، وبها كانوا
يُسْقَوْن المطر! فعبدوها من دون الله.
فحدث الشرك في الأرض من ذلك التاريخ، وهو أول شرك حدث في الأرض منذ هبوط
آدم عليه السلام.
فبعث الله نبيه نوحًا عليه السلام ينهاهم عن الشرك، ويأمرهم بعبادة الله وحده، ولكنهم أَبَوْا؛ لأن الشرك تمكن من قلوبهم، قال عز وجل: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23].
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4920).