إسلام، فلا يُهاجَر منها،
إنما كان يُهاجَر منها عندما كانت في قبضة الكفار، وكانوا يضايقون المسلمين
ويصدونهم عن دينهم. فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم صارت بلد إسلام.
فالذي يُهاجِر من مكة إلى المدينة بعد الفتح لا يُسمَّى مهاجرًا؛ لأن الهجرة ليس
لها داعٍ. ومكة أفضل من المدينة وأفضل من غيرها من البلدان.
أما الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فهي باقية، ولا تَعارُض بين
الأحاديث.
وتكون الهجرة -أيضًا - بالانتقال من بادية الإسلام إلى حاضرة الإسلام؛ لأن البقاء في
البادية جفاء، وبُعْد عن العلم وبُعْد عن الجهاد في سبيل الله. والانتقال إلى
الحاضرة فيه تَفَقُّه في الدين وتَعَلُّم العلم النافع، وفيه الجهاد في سبيل الله
عز وجل.
فالهجرة إما أن تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وهذا واجب مع القدرة.
وإما أن تكون من البادية إلى الحاضرة. وهذا النوع الثاني هو المقصود في هذا
الحديث، أنهم ينتقلون من البادية ومن الأعراب إلى حاضرة الإسلام؛ ليتعلموا
ويتفقهوا ويجاهدوا في سبيل الله. وهذه ليست مستحبة، إِنْ فَعَلها فهو خير، وإن
تركها فلا حرج عليه؛ لأن بادية الإسلام تابعة لحاضرة الإسلام، فيكون ذلك من باب
الاستحباب.
قوله: «وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ
فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى
الْمُهَاجِرِينَ» يعني: إن انتقلوا من البادية إلى الحاضرة، فلهم ما لأهل
الحاضرة، لهم من الغنيمة والفيء إذا غَزَوْا مع المسلمين.