×
شرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة

 وقالتْ: إلى مَنْ تتركنا فِي هذا الوادي؟ - وما فِي الوادي أَحَدٌ - فلم يَلْتَفِتْ إليها، ثم أَلَحَّتْ قائلة: إلى مَنْ تتركنا فِي هذا الوادي؟ ثم أَلَحَّتْ، ثم قالت: آللهُ أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضَيِّعُنا، فمضى إبراهيمُ.

ولمَّا تَوَارَى عن هاجر وابنِها، وَقَفَ ودَعَا: فقال: ﴿رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ [البقرة: 126]، ثم ذهب وبَقِيَتْ هاجرُ، ومعها جِرَابٌ من تَمْرٍ وبعضُ الماءِ، فبقِيَتْ تأكل من هذا التَّمْرِ، وتشرب من هذا الماءِ، وتُرْضِعُ هذا الطِّفْلَ إسماعيلَ عليه السلام، فنَفَدَ مَا معها من الماء، وعَطِشَ الطفلُ، ولم يكن معها ماءٌ، وليس عندها أَحَدٌ، ولا أَنِيسٌ، فذهبَتْ إلى أقرب جبلٍ إليها، وَهُوَ الصَّفَا، فَوَقَفَتْ فوقه تَنْظُرُ؛ لَعَلَّها ترى أحدًا، فلم تَرَ أَحَدًا، ثم نَزَلَتْ وذهبَتْ إلى المروة.

ولمَّا كانت بين الصفا والمروة فِي الوادي المنخفض، أَسْرَعَتْ فِي الوادي وهَرْوَلَتْ؛ لأنها تريد إنقاذَ وَلَدِها، فلمَّا وَصَلَتْ إلى المروة، صَعَدَتْ ونَظَرَتْ، فلم تَرَ أَحَدًا، ثم إنها نَزَلَتْ ورَجَعَتْ إلى الصفا مَرَّةً ثانيةً، ثم نَزَلَتْ وذَهَبَتْ إلى المروة، إلى أن أَكْمَلَتْ سبعةَ أشواطٍ بين الصفا والمروة، ولَمَّا أَكْمَلَتِ الشَّوْطَ السَّابِعَ، سَمِعَتْ صَوْتًا، فقالت: أَغِثْ إِنْ كُنْتَ مُغِيثًا، فإذا هو جِبْرِيلُ جاء عند الطفل - وَهُوَ مكانُ زمزم -، وبَحَثَ الأرضَ بجناحِهِ، فنَبَعَ الماءُ مِنْ عَيْنِ زمزم، فجاءَتْ وجعلَتْ تشرب، وجعلَتْ تحبس الماءَ، وفَرِحَتْ بهذا، وملأَتْ السِّقَاءَ، وفَرِحَتْ بذلك فَرَحًا شديدًا، وجاءَ الفَرَجُ من الله.

وبينما هما كذلك، إذ أَقْبَلَتْ قافلةٌ مِنْ جُرْهُم - عَلَى عادَةِ العرب أنهم يرتحلون يطلبون الكلأَ والشَّجَرَ-، فرأوا طيرًا يَحُومُ عَلَى موضع


الشرح