زمزم، قالوا: إنَّ هذا الطائرَ عنده ماءٌ، ولا
نَعْهَدُ فِي المكان ماءً، فلَمَّا جاؤوا، وَجَدُوا الماءَ، ووجدوا أُمَّ إسماعيل
وإسماعيلَ عند الماء، فطلبوا منها أن يسكنوا عندها، وهذا هو الفَرَجُ الثاني،
فقالتْ: لا بأس، ولكن ليس لكم من الماءِ شيءٌ، قالوا: نعم، فسَكَنُوا عندها، وحصل
لَهَا الأُْنْسُ بهم. ثم كَبِرَ إسماعيلُ عليه السلام وتزوَّجَ منهم وتعلَّمَ
العربية.
ثم بعد ذَلِكَ
أَمَرَ اللهُ إبراهيمَ أن يبني البيتَ، وكان إسماعيلُ قد كَبِرَ، وبَوَّأَ له
مَكَانَهُ، فبَنَاهُ هو وابْنَهُ إسماعيلَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِۧمُ
ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ
أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، فبنى البيت بأمر الله هو وابنُه
إسماعيلُ، إبراهيمُ يبني، وإسماعيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، بنى البيتَ عَلَى
القواعد التي أراه اللهُ إيَّاها، فأَكْمَلَ بِنَاءَ البيتِ هو وإسماعيلُ - عليهما
الصلاة والسلام -.
والشَّاهِدُ من هذا: أن السَّعْيَ كَانَ
أَصْلُهُ مِنْ فِعْلِ هَاجَرَ أمِّ العَرَبِ المُسْتَعْرِبَةِ بَنِي إسماعيلَ فِي
هَذِهِ الشِّدَّة حين سَعَتْ بين الصَّفَا والْمَرْوَةِ تَطْلُبُ من الله الإنقاذَ
والغَوْثَ، فأغاثها اللهُ، فالمسلم يسعى بين الصفا والمروة من أجل الإنقاذ بمغفرة
الذنوب والرحمة، كَمَا أن الله رَحِمَ أُمَّ إسماعيلَ، وإسماعيلَ، فأنت تَطْلُبُ
الرَّحْمَةَ من الله عز وجل بهذا السَّعْيِ، فصار ذَلِكَ سُنَّةً فِي بني
إسماعيلَ، وَفِي دِينِ الإسلام.
وقد صار هذا السعيُ عِبَادَةً لله عز وجل؛ لأن أُمَّ إسماعيل فَعَلَتْهُ تطلب الغَوْثَ والرَّحْمَةَ من الله، فاستجاب اللهُ لها، فأنت كذلك تَسْعَى بين الصَّفَا والْمَرْوَةِ تطلب من الله الرحمةَ، وتطلب مِنْهُ الغَوْثَ وتطلب مِنْهُ المغفرةَ.