×
شرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة

وأمَّا حالةُ الموتِ، فهي حَالَةٌ خاصةٌ لا يَجُوزُ إلحاقُها بحالِ الإنسانِ قَبْلَ الْمَوْتِ، ولا بِحَالِهِ بَعْدَ البعثِ والنُّشُورِ؛ لانقطاعِ عَمَلِ المَيِّتِ، وارتهانِهِ بِكَسْبِهِ، إلاَّ مَا استثناهُ الشَّارِعُ، وليس طَلَبُ الشفاعةِ من الأمواتِ مِمَّا استثناه الشَّارِعُ، فلا يَجُوزُ إلحاقُهُ بذلك، لا شكَّ أن النبيَّ بعد وفاته حيٌّ حياةً برزخيَّةً أَكْمَلَ من حياة الشهداءِ، ولكنها ليسَتْ من جِنْسِ حياته قبل الموتِ، ولا من جنسِ حياتِهِ يومَ القيامةِ، بل حياة لا يَعْلَمُ حقيقتَها وكَيْفِيَّتَها إلاَّ اللهُ سبحانه؛ ولهذا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الشريفِ قولُهُ عليه السلام: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السَّلام» ([1]). فدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ، وعلى أن رُوحَهُ قد فَارَقَتْ جَسَدَهُ، لَكِنَّهَا تُرَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ السَّلاَمِ.

والنُّصوصُ الدَّالَّةُ عَلَى مَوْتِهِ من القرآنِ والسُّنَّةِ معلومةٌ، وَهُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بين أَهْلِ العِلْمِ، ولكن ذَلِكَ لا يَمْنَعُ حياتَهُ البرزخيَّةَ، كَمَا أنَّ مَوْتَ الشهداءِ لم يَمْنَعْ حياتَهُم البرزخيَّةَ المذكورةَ فِي قوله تَعَالَى: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ [آل عمران: 169].

وإنما بَسَطْنَا الكلامَ فِي هَذِهِ المسألةِ؛ لِدُعَاءِ الحاجةِ إليه بسببِ كَثْرَةِ من يشبه فِي هذا البابِ، ويدعو إلى الشِّرْك وعبادةِ الأمواتِ مِنْ دُونِ اللهِ.

فنسألُ اللهَ لنا ولجميعِ المسلمينِ السَّلامةَ مِنْ كُلِّ مَا يُخالِفُ شَرْعَهُ. والله أعلم.


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (2041)، وأحمد رقم (10815)، والبيهقي رقم (1479).