×
شرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة

 المُحْدَثَاتِ، ولا يَنْبَغِي للمسلمِ أن يُحْدِثَ فِي دِينِهِ مَا لم يَأْذَنْ به اللهُ، وَهُوَ بِهَذَا العَمَلِ أقربُ إلى الجَفَاءِ مِنْهُ إلى المُوَالاَةِ والصَّفَاءِ، وقد أَنْكَرَ الإمامُ مالكٌ رحمه الله هذا العملَ وأشباهَهُ، وقال: «لن يُصلحَ آخرَ هَذِهِ الأمةِ إلاَّ مَا أصلحَ أَوَّلَها».

ومعلومٌ أن الَّذِي أَصْلَحَ أوَّلَ هَذِهِ الأُمَّةِ هو السَّيْرُ عَلَى مِنْهَاجِ النبيِّ وخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وصَحَابَتِهِ المَرْضِيِّينَ، وأتباعِهِمْ بإحسانٍ، ولن يُصْلِحَ آخِرَ هَذِهِ الأمةِ إلاَّ تَمَسُّكُهم بذلك، وسَيْرُهم عليه، وَفَّقَ اللهُ المسلمين لِمَا فيه نَجَاتُهم وسعادتُهم وعِزُّهم فِي الدنيا والآخرة، إِنَّهُ جَوَادٌ كريمٌ.

تنبيه:

ليست زيارةُ قبرِ النبيِّ واجبةً ولا شَرْطًا فِي الْحَجِّ كَمَا يَظُنُّهُ بعضُ العامَّةِ وأشباهُهم، بل هي مُستحَبَّةٌ فِي حقِّ مَنْ زار مسجدَ الرسولِ، أو كَانَ قريبًا منه.

أمَّا البعيدُ عن المدينة، فليسَ له شَدُّ الرَّحْلِ لِقَصْدِ زيارةِ القبرِ ولكن يُسَنُّ له شَدُّ الرَّحْلِ لِقَصْدِ المسجدِ الشريفِ، فإذا وَصَلَهُ، زارَ القبرَ الشريفَ، وقَبْرَ الصَّاحِبَيْنِ، ودخلت الزيارة لقبره عليه السلام وقبر صاحبيه تبعًا لزيارة مسجده؛ وذلك لِمَا ثَبَتَ فِي «الصحيحين»: أن النبيَّ قال: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى» ([1]).

ولو كَانَ شَدُّ الرِّحالِ لِقَصْدِ قَبْرِهِ، أو قَبْرِ غَيْرِهِ مشروعًا، لَدَلَّ الأُمَّةَ عليه، وأَرْشَدَهُمْ إلى فَضْلِهِ؛ لأنَّهُ أَنْصَحُ النَّاسِ وأَعْلَمُهم باللهِ وأَشَدُّهُمْ له خَشْيَةً.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1189)، ومسلم رقم (1397).