×
شرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة

وثَبَتَ أن عُمَرَ قَطَعَ الشَّجَرَةَ التي بَايَعَ النبيُّ أصحابَهُ ببيعَةِ الرِّضْوَانِ تحتها؛ لَمَّا رأى بَعْضَ الناسِ يَذْهَبُونَ إليها، ولَمَّا رأى الناسَ يَذْهَبُونَ مَذْهَبًا، سأل عنهم، فقِيلَ له: يذهبون يُصَلُّون فِي مكانٍ صلَّى فيه النبيُّ، وَهُوَ فِي طريقِ الحجِّ، غَضِبَ، وقال: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِتَتَبُّعِ آثَارِ أَنْبِيَائِهِمْ». ا هـ.

ومعلومٌ أن الهَدَفَ من بناءِ المساجدِ جَمْعُ الناسِ فيها للعبادةِ، وَهُوَ اجتماعٌ مقصودٌ فِي الشريعةِ، ووجودُ المساجدِ السبعةِ فِي مكانٍ واحدٍ لا يُحقِّق هذا الغَرَضَ، بل هو مَدْعَاةٌ للافتراقِ المُنَافِي لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وهي لم تُبْنَ للاجتماعِ؛ لأنها مُتقارِبَةٌ جدًّا، وإنما بُنِيَتْ للتبرُّكِ بالصلاة فيها والدُّعاءِ، وهذا ابتداعٌ واضحٌ أَمَّا أَصْلُ هَذِهِ المساجدِ بهذه التسميةِ، أي: المساجد السبعة، فليس له سَنَدٌ تاريخيٌّ عَلَى الإطلاقِ، وإنَّمَا ذَكَرَ ابنُ زُبَالَةَ مسجدَ الفتحِ وَهُوَ رَجُلٌ كذَّابٌ، رَمَاهُ بذلك أئمةُ الْحَدِيثِ، ماتَ فِي آخرِ المائةِ الثانيةِ، ثم جاء بَعْدَهُ ابنُ شَبَّةَ المؤرِّخُ وذَكَرَهُ، ومعلومٌ أن المؤرخين لا يَهْتَمُّون بالسَّنَدِ وصِحَّتِهِ، وإنما يَنْقُلُون مَا يَبْلُغُهم، ويَجْعَلُون العُهْدَةَ عَلَى مَنْ حَدَّثَهم، كَمَا قَالَ ذَلِكَ الحافظُ الإمامُ ابنُ جريرٍ فِي «تاريخه»، أمَّا الثبوتُ الشرعيُّ لهذه التسميةِ، أو لمسجدٍ واحدٍ منها، فلم يُعْرَفْ بسندٍ صحيحٍ.

وقد اعتنى الصحابةُ بنقلِ أقوالِ الرسولِ وأفعالِهِ، بل نَقَلُوا كُلَّ شيءٍ رَأَوُا النبيَّ يَفْعَلُهُ، حتى قضاءِ الحاجةِ، ونقلوا إتيانَ النبيِّ قُبَاء كُلَّ أسبوعٍ، وصلاتَهُ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ قبل وَفَاتِهِ كالمُوَدِّعِ لهم، إلى غير ذَلِكَ مِمَّا امتلأتْ به كُتُبُ السُّنَّةِ، أَمَّا هَذِهِ المَسَاجِدُ، فقد بَحَثَ الْحُفَّاظُ والمُؤَرِّخُونَ عن أُصُولِ تَسْمِيَتِهَا، فقالَ العلاَّمَةُ السمهوديُّ رحمه الله: «لم أَقِفْ فِي ذَلِكَ كُلِّه


الشرح