مَنْ كان يعظِّم
المحلوف به كما يعظِّم الله فهو شركٌ أكبر، ومن كان لا يعظِّمه كتعظيم الله بل عنده
نوعُ تعظيم لا يساوي تعظيم الله، فإنَّه يكون شركًا أصغر.
وقوله صلى الله عليه وسلم:
«لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» ليس هذا خاصًّا بالآباء، فالحلف بغير الله
لا يجوز، سواء كان بالآباء أو بغيرهم، وسواء كان بالآدميِّين من الرُّسل
والصالحين، أو كان بالكعبة، أو غير ذلك؛ فالمخلوق لا يجوز له أن يحلف إلاَّ بالله
عز وجل فذكره الآباء هو من باب ذكر بعض أفراد المنهي عنه؛ لأنَّ عادتَهم أن يحلفوا
بالآباء.
قوله: «وَمَنْ حَلَفَ
بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ» هذا أمرٌ مِن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الحالف
بالله يجب عليه أن يصدُقَ، فلا يحلفُ بالله كاذبًا؛ لأنَّ مَنْ حلف بالله وهو كاذب
فقد استهان بعظمة الله سبحانه وتعالى وإذا انضاف إلى ذلك: أن يأخذ مالاً بغير حق
بموجب هذه اليمين، فهي يمين فاجِرة، يقتطع بها مال امرئ مسلم.
والحلف بالله كاذبًا هي اليمين الغَموس، سُمِّيت بذلك لأنَّها تغمس صاحبَهَا في الإثم ثُمَّ في النَّار - والعياذ بالله - كالذي يحلف على السِّلع في البيع والشِّراء أنَّها جيِّدة، وهي ليست كذلك، أو أنها سليمة وهي ليست كذلك، أو أن قيمتَها كذا وكذا، ليرغِّب النَّاس فيها وهو كاذب، فإذا حلف على أمرٍ ماضٍ كاذبًا متعمِّدًا فهذه هي اليمين الغَموس، وهي كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنَّ الكذب في حدِّ ذاتِهِ كبيرة: قال الله تعالى: ﴿فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾ [آل عمران: 61]،