وهذا فهْمٌ باطل، لم
يُرِدْهُ الله سبحانه وتعالى بل أنكَره على المشركين، وحكَم بأنه كُفر، وأنه شِرك،
ونزَّه نفسَه عنه فقال: ﴿سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ
عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [يونس: 18]، وقال: ﴿إِنَّ
ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ﴾ [الزُّمَر: 3]، بيَّن أنه كُفر
وأنه شِرك، ونزَّه نفسَه عنه، فهو لم يَشْرَع لعباده أبدًا أن يجعَلوا بيْنه
وبينهم وسائط من الخلْق يبلِّغونه حاجات عبادِه، وإنما أمَر بدُعائه مباشَرة: ﴿وَقَالَ
رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ﴾ [غافر: 60].
«يَتنْزِلُ رَبُّنَا
تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ
اللَّيْلِ الآْخِرُ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ
فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟» ([1]).
فأمَر بدُعائه
واستغفاره وسؤاله مباشرةً، لأنه سبحانه وتعالى: ﴿يَعۡلَمُ
ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى﴾ [طه: 7]، ويعلَم أحوال عبادِه، لا يخفَى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
إنما تُتَّخذ الوسائل والوسائط عند من لا يعلَم أحوالَ الناس ولا يعلَم أحوال الرعيَّة، من المُلوك والرؤساء من البشر، تخفَى عليهم أحوال الرَّعايا وأحوال الناس وحاجات الناس، ويحتاجون إلى مَن يُبلِّغُهم، أمَّا الله جل وعلا فإنه لا يخفَى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ويعلَم كلَّ شيء، ويسمَع كلَّ شيء، يسمَع السرَّ، ويعلَم ما في القلْب، ولو لم يتكلَّم الإنسان، فهو ليس بحاجة إلى اتِّخاذ مبلِّغين ومتوسِّطين بينه وبين عباده.
([1])أخرجه: أحمد رقم (17904)، وابن حبان رقم (1531)، والطبراني في «الكبير» رقم (8373).