×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 يقولُ بِها، ولكنَّ هذا غلطٌ، وإِنَّما الَّذي وردَ عَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم التَّلَفُّظُ بِالنُّسكِ مِنْ بابِ التَّعْيِيِنِ لِلنُّسُكِ الَّذِي يُرِيدُهُ لاَ مِنْ بَابِ النُّطْقِ بِالنِّيَّةِ.

فَلاَ يَجُوزُ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ لا عِندَ الصَّلاةِ، ولا عِندَ الزَّكاةِ، ولا عِندَ أَيِّ عَملٍ يَعْمَلُه، بَل يُؤَدِّيهِ ولا يَحتاجُ إِلى التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ؛ لأَنَّ اللهَ يَعْلمُ ما فِي قَلْبِه، حتَّى لو قالَ: إِنَّه يَنوِي وجْهَ اللهِ. وهُو لَيسَ كَذلكَ، فاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قَلْبِه، ولا يُفِيدُه هذا اللَّفْظُ، فَالتَّلفُّظُ بِالنِّيَّةِ بِدْعةٌ؛ لأَنَّ مَحِلَّهَا القَلْبُ، والجَهرُ بها بِدْعةُ، وهُو أَيْضًا رِياءٌ، وهَذه مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا، لَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لاَ يَزَالُونَ يَنْطِقُونَ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الطَّوَافِ، وَعِنْدَ الصَّلاَةِ، وَعِنْدَ أَيِّ عَمَلٍ يَعْمَلُونَه، وهذِه بِدْعةٌ ما أَنْزلَ اللهُ بها مِن سُلطانٍ، وإِن كانُوا يَنْسبونَ إِلى الإِمامِ الشَّافعيِّ رحمه الله أَنَّه قالَ بِالتَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ. فهذا مَردودٌ مِن وجهَيْنِ:

أَوَّلاً: هذا لَمْ يَصِحَّ عَنِ الإِمامِ الشَّافِعيِّ.

ثَانِيًا: لَو صَحَّ عَنِ الإِمامِ الشَّافعيِّ فلَيسَ حُجَّةً؛ لأَنَّ الإمامَ الشَّافعيَّ مُجْتَهدٌ يُخْطِئُ وَيُصيبُ، والحُجَّةُ فِي كلامِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، لا في كلامِ الشَّافعيِّ ولا أَحْمدَ ولا أَبي حنيفةَ ولا مَالكٍ، ولا يَكونُ قَوْلُ العَالِمِ حُجَّةً إلاَّ إذا وَافقَ الدَّليلَ.

ثَالِثًا: الذِي رُوِيَ عَنِ الشَّافِعيِّ أَنَّه قالَ: الصَّلاَةُ لَيستْ كغَيرِها، الصَّلاَةُ لا يُدْخَلُ فيها إلاَّ بذكْرِ اللهِ. والمُرادُ بِالذِّكْرِ: التَّكْبيرُ.

فعلى كُلِّ حَالٍ النِّيَّةُ عَملٌ قَلْبيٌّ، ولا يَجوزُ التَّلَفُّظُ بها، واللهُ أَنْكرَ على الأَعْرابِ الَّذينَ قالُوا: ﴿آمَنَّا [الحجرات: 14]، فقالَ جل وعلا مُخاطِبًا


الشرح