×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 فَهَاَجرَ إِلَى بِلاَدِ الإِسلاَمِ؛ لأَجْلِ أَنْ يتَزَوَّجَها، فَهَذا لَيسَ لَه ثَوابُ الهِجْرَةِ عِندَ اللهِ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ عَمَلِهِ هِيَ صُورَةَ الهِجرَةِ، ولكنْ لَما كَانَ قَصْدُه لَيْسَ الدِّين، وَإِنَّما قَصْدُه الزَّواجُ بِالمَرأةِ لَمْ يُكْتَبْ لَه ثَوابٌ عِندَ اللهِ جل وعلا، وأفْلسَ مِن ثَوابِ المُهاجِرِ، واللهُ جل وعلا يَعْلمُ ما في القُلوبِ، قال تعالى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحجرات: 16]، فلاَ يَعْلمُ ما في القُلوبِ إلاَّ اللهُ عز وجل، أَمَّا النَّاسُ فَلاَ يَعْلمُونَ.

والنِّيَّةُ مَحِلُّهَا القَلْبُ لا يَعْلمُها إلاَّ اللهُ، والتَّلَفُّظُ بِها بِدْعةٌ، فلا يَقولُ المُسلِمُ: نَوَيْتُ أَنْ أُصَلِّيَ، أَوْ نَوَيْتُ أَنْ أَحُجَّ، أَوْ نَوَيْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ؛ لَأَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ، لَأَنَّ النيةَ مَحِلُّهَا القَلْبُ، وَهِي عَمَلٌ قَلْبِيٌّ وليسَت عَملَ لسانٍ، وَفِي المُجَاهَرةِ بِهَا رِياءٌ، ولَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم تَلَفَّظَ بِالنِّيةِ عِندَما يُريدُ الصَّلاةَ، أَوْ يُريدُ أَيَّ عَملٍ مِنَ الأَعْمالِ، نَعَم جَاءَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّه فِي حَجَّةِ الوداعِ أَحْرمَ بِقَولِه: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»([1]) هَذَا لَيسَ تَلَفُّظًا بِالنِّيةِ وإِنَّما هُو تَلَفُّظٌ بِالمَنْوِيِّ، وهُوَ النُّسكُ الذي يُريدُ: هَلْ يُريدُ حَجًّا؟ هَلْ يُرِيدُ عُمْرَةً؟ هَلْ يُرِيدُ أَنْ يُقْرِنَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؟ هَلْ يُرِيدُ أَنْ يُفْرِدَ بِالحَجِّ؟ هَلْ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ؟ فَهُوَ يُعَيِّنُ النُّسكَ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَلَيْسَ المُرَادُ أَنَّهُ يَنْطِقُ بِالنِّيةِ، فَهُو لاَ يَقُولُ: نَوَيْتُ الحَجَّ، أَوْ نَويْتُ العُمْرَةَ، أَوْ نَوَيْتُ التَّمتُّعَ، أَوْ نَويْتُ القِرَانَ، ولا يقولُ: أُريدُ الحَجَّ، أَو أُريدُ العُمْرَةَ. كَلِمَةُ «أُريدُ» لاَ تَجوزُ، وإِنْ كان بعضُ الفُقهاءِ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (1251).