مكة إِلَى المَدِينَةِ بَعْد الفَتْحِ لا
يُسَمَّى مُهَاجِرًا؛ لَأنَّ الهِجْرَة حِينئِذٍ لَيسَ لَها مُوجبٌ، ومَكَّةُ
أَفْضَلُ مِن المدِينةِ وَمِن غَيْرِهَا مِنَ البُلْدَانِ، أَمَّا الهِجرَةُ مِنْ
بَلَدِ الكُفْرِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَلاَ تَعَارُضَ
بِيْنَ الأَحَادِيثِ.
قَوْلُه: «فَمَنْ
كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ...» هَذَا هُو القِسمُ الأَوَّلُ: وهُوَ الَّذي
أَخْلَصَ نِيَّتَهُ لِلَّهِ فِي الهِجْرةَ وَتَقَبَّلَ اللهُ هِجْرَتَهُ وكَتبَهُ
فِي المُهَاجِرينَ فِي أَيِّ وقْتٍ كانَ؛ لأَنَّ الهِجرةَ بَاقيَةٌ، وَلاَ يُقالُ:
إِنَّ هَذا خَاصٌّ بِما كانَ قبلَ الفَتحِ، بَل هِيَ بَاقيَةٌ كُلَّمَا احْتِيجَ
إِليهَا، فَهِي مَشرُوعةٌ، ومَنْ هَاجرَ فِي أَيِّ وقْتٍ فَلَه ثَوابُ
المُهاجِرينَ.
القِسْمُ الثَّانِي: مَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُه لِغَيرِ اللهِ، فَهِجْرَتُه إِلى هَذا الشَّيءِ الَّذي قَصدَ، ولَيسَ
لَه ثَوابٌ عِندَ اللهِ جل وعلا، كَما قَال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ
كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا»، أي: هَاجرَ مِنْ بَلدِ الكُفْرِ
إِلَى بَلدِ الإِسلامِ ولَيسَ قَصْدُه الدِّينَ، وإِنَّما قَصْدُه أَنَّ بِلادَ
المُسلِمينَ فِيها طَمعٌ، وفيها دُنْيا، وفِيها تجَارةٌ، وفيها مَلَذَّاتٌ،
فهِجرَتُه لِلدُنْيا ولَيْست للَّهِ عز وجل، وَلاَ يُكْتَبُ لَهُ ثَوابُ
المُهَاجرِ، وإِنْ كانَت صَورةُ عَمَلِه أَنَّه مُهَاجِرٌ، وَلَكِنَّ النَّظَرَ
للقَصْدِ والنِّيَّةِ ولَيْسَ للصُورةِ، فَإِذا انْتقلَ مِنْ بَلَدِ الكُفْرِ
إِلَى بَلدِ الإِسلاَمِ مِنْ أَجل ِالرَّفَاهيةِ، أَو مِن أَجلِ الطَّمعِ الدُّنْيويِّ،
أَوِ التِّجارةِ، أَوِ العَيشِ الرَّغدِ، فَهذا لا يُكْتَبُ مَع المُهَاجرينَ،
ولَيسَ لَه ثَوابٌ بِهجرَتِه.
قَالَ صلى الله عليه
وسلم: «أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا»؛ كَمَنْ هَاجرَ مِنْ أَجْلِ
أَنْ يَتزَوَّجَ امْرأةً تَعلَّقَ قَلْبُه بها، وهِي لاَ تُريدُه إلاَّ إِذَا جاءَ
إِلَى بلاَدِها، فهيَ فِي بِلادِ الإِسلامِ وهُو مُتَعلِّقٌ بها وقَالتْ لَه: أنا
لا أَتزَوَّجُكَ فِي بلادِ الكُفْرِ.