فَإِنْ هَاجرَ يُريدُ نُصْرَةَ اللهِ ورسُولِه،
فَهِجْرَتُه إِلى اللهِ ورسُولِه نَظَرًا لنِيَّتِه، وتَكونُ عِندَ اللهِ
مَقْبُولَةً، ويَكونُ لهُ ثَوابُ المُهاجرِ، فَإِنْ خَرجَ للهِجْرَةِ ومَاتَ في
الطَّرِيقِ كُتِبَ لَه أَنَّه مُهاجِرٌ، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ
يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ
الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء:
100] ، نظَرًا لنِيَّتِه
الصَّالحَةِ يَكْتُبُ اللهُ جل وعلا لَهُ أَجْرَ المُهاجرِ وَإِنْ كان مَاتَ فِي
الطَّرِيقِ، هَذَا إِذَا كَانَتْ هِجْرَتُه إِلى اللهِ ورسُولِهِ، أَيْ:
لِنُصْرَةِ دِينِ اللهِ وَحُبًّا للهِ وَحُبًّا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
والهِجْرَةُ بَاقِيَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»([1])، فالمُسلِمُ بِحاجةٍ إِلى الهِجْرَةِ دَائمًا وأَبدًا، فَإذا ضُيِّقَ عَليهِ فِي دِينِه وَصارَ لا يَستَطيعُ إِظْهارِ الدِّينِ هَاجرَ إِلى بَلَدٍ يستَطيعُ أَنْ يُظَهِرَ دِينَه فيه مُحَافَظَةً على دِينِهِ، ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ [النساء: 100]، فَلْيُهاجِرْ فِرَارًا بِدِينِه إِلى بَلدٍ يستَطيعُ فيها أَنْ يُظْهِرَ دِينَه، ويَتَمَكَّنَ مِن عِبادةِ رَبِّه عز وجل، وأَمَّا قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»([2])، فالمُرادُ بالهِجَرةِ هُنا الهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ؛ لأَنَّها لَمَّا فُتِحَتْ على يَدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَارتْ بَلدَ إِسلامٍ، فَلاَ يُهَاجرُ مِنْهَا، إِنَّمَا كَان يُهَاجَرُ مِنْهَا عِندَما كانَتْ في قَبْضةِ الكُفَّارِ، وكانُوا يُضَايِقُونَ المسلِمينَ ويَصُدُّونَهُم عَن دِينِهِم، فلَمَّا فَتَحها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَارَتْ بِلادَ إِسلامٍ، فالَّذي يُهَاجِرُ من
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (2479)، والدارمي رقم (2555)، وأحمد رقم (16906).