فَإِذَا كَانَتْ
هَذه الأَعْمَالُ الجَلِيلَةُ تَذْهبُ هدَرًا وَتَضيعُ عَلَى صَاحبِها يومَ
القِيامةِ نظَرًا لنِيَّاتِ أَصْحابِها وسُوءِ قَصْدِهم فَغَيرُها مِنَ الأَعْمالِ
مِنْ بَابِ أَوْلى، فَهَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى المُسلمِ أَنْ يُخْلِصَ
نِيَّتَه للَّهِ عز وجل عِندَما يَقومُ بِعَملٍ مِنَ الأَعْمالِ الصَّالحةِ، مِنْ
صَلاةٍ، وصِيَامٍ، وحَجٍّ وعُمرَةٍ، وصَدَقةٍ، وطَلبٍ للعِلْمِ والتَّعْلِيمِ،
وأَمْرٍ بِالمَعْرُوفِ ونَهْيٍ عَنِ المُنْكَرِ، وَدَعوَةٍ إِلى اللهِ عز وجل،
وغَيْرِ ذلكَ، فيَنْبغِي أَنْ يُراقبَ نِيَّتَهُ ويَتَذَكَّرَ نِيَّتَهُ في كُلِّ
عَملٍ يَعْمَلُه بِأَنْ يُخْلِّصَهُ للهِ، ويَطْرُدَ عَنْ نَفْسِهِ الرِّياءَ؛
لأنَّ الإِنْسَانَ بَشرٌ يَعْرِضُ لهُ الرِّيَاءُ وحُبُّ المدْحِ وحُبُّ
الثَّنَاءِ، فعَليهِ أَنْ يَطْرُدَ هَذا الْقَصْدَ إِذَا طَرأَ عَليهِ،
وَيُخَلِّصَ نِيَّتَه لِلَّهِ عز وجل.
وَقَدْ قَالَ
الشَّاعِرُ فِي حُبِّ الثَّنَاءِ:
يَهْوَى الثَّنَاءَ مُبرزٌ وَمُقَصِّرٌ *** حُبُّ الثَّنَاءِ طَبِيَعُة
الإِنْسَانِ
فَالإِنْسَانُ
بَشَرٌ يَعْرِضُ لَهُ هَذَا القَصْدُ، مِنْ حُبِّ المَدْحِ وَحُبِّ الثَّنَاءِ،
فَعَلَيْهِ أَنْ يَطْرُدَه ُوَيَتَخَلَّصَ مِنْهُ، وَيُخْلِصَ نِيَّتَهُ للهِ عز
وجل.
ثُمَّ إِنَّه صلى الله عليه وسلم ذَكرَ مثَالاً عَملِيًّا لِهذا الحديثِ، فَقَد مَثَّلَ بالهِجرةِ، والهِجرةُ: هِيَ الاْنتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الكُفْرِ إِلَى بَلَدِ الإِسلامِ فِرارًا بِالدِّينِ، فَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمالِ وهِي قَرِينَةُ الجِهادِ فِي سبيلِ اللهِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا﴾ [الأنفال: 72]، واللهُ جل وعلا قَدَّمَ المُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ فِي الذِّكْرِ والثَّنَاءِ؛ لَأَنَّهُمْ تَرَكُوا أَوْطَانَهُم ودِيارَهُم وَأَموَالَهُم نُصْرَةً لدِينِ اللهِ عز وجل فَهُم أَفْضلُ مِن غَيرِهِم، فَالهِجْرَةُ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَعَملٌ جَليلٌ، وَلَكِن لَيسَتِ العِبْرَةُ بِصُورَةِ الهِجْرَةِ، إِنَّما العِبرَةُ بِمَقْصِدِ صَاحبِها،