×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

«وَدَعْ مَا لَيْسَ يَعْنِيكَ» مِن حَديثِ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ». «واعْمَلَنْ بِنِيَّة» أَخْذًا مِن هذا الحديثِ: «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

قولُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» «إِنَّمَا» أَداةُ حَصْرٍ تُثْبِتُ الحُكْمَ لِمَا بَعْدَها وَتَنْفيهِ عَمَّا قَبلَها، كما في قَولِه تَعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60]، فَهِيَ مِنْ أَدَواتِ الحَصْرِ، وَالحَصْرُ مَعناهُ: إِثْباتُ الحُكْمِ لِمَا بَعْدَها، وَنَفْيُه عَمَّا قَبْلَها، وقَوْلُه: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ» أَي: اعْتِبارُ الأَعْمَالِ عِندَ اللهِ جل وعلا: «بِالنِّيَّاتِ» أَي بِمَقاصدِ أَصْحابِها، وَالنِّيَّاتُ: جَمْعُ نِيَّةٍ وهيَ القَصْدُ في القَلْبِ، فلَيسَتِ العِبْرَةُ بِصُورةِ العَملِ، وَإِنَّما العِبْرَةُ بِنِيَّةِ العَامِلِ، فَإِن كانَ قَصْدُهُ وَجْهَ اللهِ صارَ عَمَلُه للهِ، وَإِنْ كانَ قَصْدُهُ لِغَيْرِ اللهِ صارَ عَمَلُهُ لِغَيْرِ اللهِ.

هَذَا مَا يَدُلُّ عليهِ الحديثُ، وهُوَ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ، فقَوْلُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ: بِحَسَبِ مَقاصدِ أَصْحابِها وَتَوجُّهاتِهم، فيَنْبغي لِلمُسْلمِ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ للهِ فِي كُلِّ عَملٍ يَعْمَلُه مِنَ الأَعْمالِ الصَّالحةِ، فالمُرادُ بِالأَعْمَالِ هُنا العِباداتُ، أَمَّا الأَعْمَالُ الدُّنْيوِيَّةُ فَهَذِه لا تَحْتَاجُ إِلى نِيَّةٍ، مِثْلُ أَنْ يَأكُلَ أَو يَشربَ أو يَلبسَ ثِيابَه أَو يَركبَ سَيَّارتَه، هذه لاَ تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، وَإِنَّما المَقصُودُ بِالأَعْمالِ أَعْمَالُ الطَّاعاتِ، فَهِي الَّتي لا بُدَّ أَنْ تُؤَسَّسَ عَلَى نِيَّةٍ.

ثَمَّ قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، هَل هَذِه الجُمْلةُ مُؤَكِّدةٌ للجُملَةِ الَّتي قَبلَها، أَو هِي مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهَا قَوْلانِ:


الشرح