×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

القَوْلُ الأَوَّلُ: مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّها مُؤَكِّدةٌ لِلجُمْلةِ الَّتي قَبْلَها، وَمُقَرِّرةٌ لمَا تَدُلُّ عَليهِ.

القَوْلُ الثَّانِي: إِنَّها مُؤَسِّسَةٌ وَلَيستْ مُؤَكِّدةً، وهَذا أَرْجَحُ؛ لأَنَّ حَمْلَ الكَلامِ على التَأْسيسِ أَوْلى مِنْ حَمْلِه عَلَى التَّأْكيدِ، فَيَكُونُ قَوْلُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يُرادُ بِه أَنَّ اعْتِبارِ العَملِ بِنِيَّةِ العَامِلِ صحَّةً وَفَسَادًا، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ لِلَّه عز وجل فعَملُه صَحيحٌ، وإِنْ كَانَت نِيَّتُه لِغَيْرِ اللهِ فَعَملُه بَاطِلٌ، فهَذا مِنْ نَاحِيَةِ الصِّحَّةِ والفَسادِ.

وأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» هَذا مِنْ نَاحِيَةِ الثَّوابِ، أَي أَنَّه لاَ يُثَابُ عِندَ اللهِ إلاَّ إذا كَانَتْ نِيَّتُه للَّهِ، فَإِنْ كانَتْ نِيَّتُه لِغَيْرِ اللهِ فَإِنَّه لَيسَ لهُ ثَوابٌ عِندَ اللهِ جل وعلا، كمَا قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 15- 16].

وَقَد جاءَ فِي الحديثِ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى قُتِلْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ؛ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ»، لماذَا أُلْقِيَ في النَّارِ معَ أَنَّه قُتِلَ في المَعْركةِ وصُورَتُه أَنَّه يُجاهِدُ فِي سَبيلِ اللهِ؟ الجَوابُ: لأنَّ نِيَّتَه لَيسَتْ للهِ، وإِنَّما نِيَّتُه أَنْ يُمْدَحَ بالجَراءَةِ وَالشَّجاعةِ، وقَد قِيلَ هَذا في الدُّنْيا، وحَصلَ على مَا قَصدَ


الشرح