فَهَذَا صَلاَتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لَأَنَّهُ
لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ التِي أمَرَ اللهُ بِهِا، وَإِنَّمَا صَلَّى صَلاَةً
عَلَى حَسَبِ هَوَاهُ.
وَكَذَلِكَ مِنْ
إِقَامَةِ الصَّلاةِ: الخُشُوعُ فِيهَا، وَحُضُورُ القَلْبِ، فَالذِي يُصَلِّي
بِجِسْمِهِ وَلَكِنَّ قَلْبَهُ غَائِبٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلاَتِهِ إلاَّ مَا
عَقَلَ منها وَحَضَرَ قَلْبُه فِيهَا، قال تعالى: ﴿قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1- 2]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ
إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، يَعْنِي:
الصَّلاَةُ ثَقِيلَةٌ إلاَّ عَلَى الخَاشِعَينَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَيْهِمْ
مُيسَّرَةً وَيَتَلَذَّذُونَ بِهَا، والخُشُوعُ رُوحُ الصَّلاَةِ، وصَلاَةٌ بِلاَ
خُشُوعٍ كَجَسَدٍ بِلاَ رُوحٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي الظَّاهِرِ وَلاَ
يُؤْمَرُ بِالإِعَادَةِ، لَكنْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا ثَوَابٌ، فَقَدْ يَخْرُجُ
مِنْهَا وَلَيْسَ مَعَهُ أَجْرٌ أَبَدًا؛ لَأَنهُ لَمْ يَحْضُرْ قَلْبُهُ فِيهَا
مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ،
وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِكَثِيرٍ، وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِأَجْرٍ كَامِلٍ،
وَذَلِكَ حَسَبَ خُشُوعِهِ فِي الصَّلاَةِ.
وَمِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ صَلاَتُهَا فِي المَسَاجِدِ مَعَ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ - يَعْنَي عَلَى الأَشْخَاصِ - فَكُلُّ مُسْلِمٍ يَقْدِرُ عَلَى حُضُورِ المسْجِدِ وَالصَّلاَةِ مَعَ الجَمَاعَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يُجِبْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إلاَّ مِنْ عُذْرٍ»([1])، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدِ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ لِمَاذَا شُرِعَ الأَذَانُ؟ لِمَاذَا شُرِعَ أَنْ يَقْولَ المؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاَح؟ يَعْنِي: تَعَالَوْا صَلُّوا مَعَ الجَمَاعَةِ فِي بُيُوتِ اللهِ عز وجل، إلاَّ مَنْ كَانَ لَهْ عُذْرٌ، أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (551)، وابن ماجه رقم (793) واللفظ له، والحاكم رقم (894).