×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 كَمَا فِي الأَحَادِيثِ وَالآيَاتِ، أَمَّا إِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ غَيْرَ الصَّلاَةِ فَإِنَّه يَكُونُ مُؤْمِنًا نَاقِصَ الإِيمَانِ، كَأَصْحَابِ الكَبَائِرِ التِي دُونَ الشِّرْكِ.

وَلاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِ الإِسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ وَالإِيمَانِ فِي البَاطِنِ، فَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَقَطْ دُونَ الإِيمَانِ فَهَذَا مُنَافِقٌ، فَإِنَّ المنَافِقِينَ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ، وَصَارُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَعْمَلُونَ أَرْكَانَ الإسْلاَمِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ إِيمَانٌ، فَهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. وَكَذَلِكَ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَمْتَثِل بِجَوَارِحِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَينِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ؛ لأَنَّ الإِيمَانَ بِالقَلْبِ فَقَطْ لاَ يَكْفِي، وَإِنَّمَا الإِيمَانُ بِالقَلْبِ هُوَ أَحَدُ دَعَائِمِ الإِيمَانِ، وَلاَ بُدَّ مِنَ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ وَالعَمَلِ بِالجَوَارِحِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ المشْرِكِينَ يُؤْمِنُونَ بِقُلُوبِهِمْ، وَاليَهُودُ والنَّصَارَى يُؤْمِنُونَ بِقُلُوبِهِمْ بِصِحَّةِ رِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيُصَدِّقُونَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، لَكِنْ يُنْكِرُونَ هَذَا فِي ظَاهِرِهِمْ، قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33].

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عَمُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بَأَنَّ دِينَ مُحمَّدٍ *** مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا

لَوْلاَ المَلاَمَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ *** لَرَأَيْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا

فَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِقَلْبِهِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ دِينَهُ أَزْكَى أَدْيَانِ الخَلِيقَةِ، لَكِنْ مَنَعَهُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ وَالنُّطْقِ بِذَلِكَ مُجَامَلَةُ قَوْمِهِ، لَوْ آمَنَ بِالرَّسُولِ لَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِ قَوْمِهِ، وَهُوَ لاَ يُرِيدُ هَذَا، مَنَعَتْهُ النَّخْوَةُ الجَاهِلِيَّةُ وَالحَمِيَّةُ الجَاهِلِيَّةُ مِنْ أَنْ يُصَرِّحَ وَيُظْهِرَ مَا فِي قَلْبِهِ، حَتَّى وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ المَوْتِ


الشرح