×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 يَقُولُ لَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمِّ، قَلْ: لاَ إِلَه إلاَّ اللهُ»، فَيَقُولُ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَمَنْ مَعَهُ: «أَتَتْرُكُ دِينَ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟» وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ: «هُوَ عَلَى دِينِ عَبْدِ المطَّلِبِ»([1])، وَمَاتَ وَلَمْ يَقُلْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَعَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِقَلْبِهِ مُعْتَرِفٌ بِذَلِكَ، كَمَا فِي أَشْعَارِهِ الموْجُودَةِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَالتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ والإِقْرَارُ بَأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، وَأَنَّ دِينَ المُشْرِكِينَ بَاطِلٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَبَى أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ؛ لَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ خَلْعُ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ التِي هِيَ دِينُ قَوْمِهِ. فَهَذَا فِيهِ أَنَّ الحَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةَ قَدْ تَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى الكُفْرِ - والعِياذُ بِاللهِ - قال تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةَ [الفتح: 26]، فَالإِنْسَانُ لاَ يُؤْثِرُ عَلَى الدِّينِ الحَقِّ شَيْئًا مَهْمَا كَلَّفَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَخْشَى فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، هَذَا هُوَ الوَاجِبُ.

الحَاصِلُ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِن اجْتِمَاعِ الإِسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ، وَالإِيمانِ فِي القَلْبِ، فَإِنِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنِ الإِنْسَانُ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.

وَفِي هَذَا الحدِيثِ أَنَّ أَرْكَانَ الإِيمَانِ التِي يُبنَى عَلَيْهَا سِتَّةٌ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَعْمَالِ فَهِيَ مُكَمِّلاَتُ لِهَذِهِ السِّتَّةِ أَوْ مُتَمِّمَاتٌ لَهَا، كَالصِّدْقِ فِي الحَدِيثِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنِ المنْكَرِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَعْمَالِ التِي هِيَ خَارِجُ هَذِهِ السِّتَّةِ فَهِي تَابِعَةٌ لَهَا وَمُكَمِّلاَتٌ لَهَا.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1360)، ومسلم رقم (24).