قُلْ
أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [المؤمنون: 86- 87]، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ
الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس: 31]، فَهُمْ مُقِرُّونَ
بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، ﴿وَمَنْ
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ
يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس: 31] سبحانه وتعالى،
فَهُمْ لاَ يَجْحَدُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، كَمَا قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ
بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، يُؤْمِنُونَ
بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ فَقَطْ، وَهَذَا لاَ يَكْفِي، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ
الإِيمَانِ بِتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، أَيْ: بِأَنَّ العِبَادَةَ لاَ
يَسْتَحِقُّهَا إلاَّ اللهُ جل وعلا، والأُلُوهِيَّةُ تَعْنِي العُبُودِيَّة.
وَهَذَا هُوَ
مَحَطُّ الخِلاَفِ بَيْنَ الأُمَمِ وَالرُّسُلِ، فَكَثِيرُ مِنَ الأُمَمِ
يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ الرَّازِقُ، وَيَعْتَرِفُونَ
بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، لَكِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةَ،
فَيَعْبُدُونَ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ، فَيَذْبَحُونَ لَهُ، وَيَنْذُرُونَ لَهُ،
وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِ، سَواءً كَانَ هَذَا الغَيْرُ صَنَمًا أَوْ شَجَرًا أَوْ
حَجَرًا أَوْ قَبْرًا أَوْ جِنًّا أَوْ إِنْسًا، فَهَذَا شِرْكٌ فِي تَوْحِيدِ
الأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ عِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ مَعَ اللهِ جل وعلا
وَكَذَلِكَ حَدَثَ فِي القُرُونِ المُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ القُرُونِ المفَضَّلَةِ مَنْ يَجْحَدُ تَوْحِيدَ الأَسْمَاءِ وَالصّفاتِ مِنَ الفِرَقِ الضَّالَّةِ، مِنْ جَهْمِيَّةٍ([1]),
([1]) هم أتباع الجهم بن صفوان أبو محرز الراسبي، مولاهم السمرقندي، الضال المبتدع رأس الجهمية هلك في زمان صغار التابعين، وقد زرع شرًّا عظيمًا، وهو رأس في التعطيل، قُتِل سنة ثمان وعشرين ومائة، قتله سَلْم بن أحوز. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 86)، والفرق بين الفرق (ص199)، وميزان الاعتدال للذهبي (2/ 159)، والتعريفات للجرجاني (ص 108)، وفتح الباري (13/ 345).