وَكَانَ جِبْرِيلُ
عليه السلام يَأْتِي إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَالِبِ فِي
صُورَةِ رَجلٍ؛ لأَنَّ بنِي آدَمَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ رُؤْيَةَ المَلَكِ على
خِلْقَتِه المَلَكِيَّةِ، فَكَانَ يَأْتِي فِي صُورَةِ رَجُلٍ حَتَّى لاَ يَنْفُرَ
النَّاسُ مِنْه، وَلاَ يَسْتَوْحِشُوا مِنْه، هَذَا هُوَ الغَالِبُ؛ لأَِنَّ
الملاَئِكَةَ لاَ تَظْهَرُ لِبَنِي آدمَ فِي صُورَتِهَا الحَقِيقِيَّةِ إلاَّ
عِنْدَ نُزُولِ المَوْتِ أَوْ العَذَابِ، فَإِذَا نَزَلَ المَوْتُ أَوِ العَذَابُ
- وَالعِيَاذُ بِاللهِ - ظَهَرَتْ الملائِكَةُ عَلَى صُورَتِهَا، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ
الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان: 22]، أَمَّا إِذَا
جَاؤُوا فِي حَالةِ الأَمْنِ فإِنَّهُمْ يَأْتُونَ بِصُورةٍ مَأْلُوفَةٍ
لِلنَّاسِ، وَاللهُ أَقْدَرَهُمْ عَلَى التَّصوُّرِ بِصُورٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَلَمْ يَرَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جِبْريلَ في صُورَتِه المَلَكِيَّةِ إلاَّ
مَرَّتَيْنِ([1])
المرةُ الأُولَى: فِي بَطْحَاءِ
مَكّةَ حِينَمَا اشْتَدَّ بِهِ الكَرْبُ مِنْ أَذَى قَوْمِهِ، رَأَى جِبْرِيلَ فِي
الأُفْقِ عَلَى صُورَتِهِ المَلَكِيَّةِ جَاءَ يُطَمْئِنُه ويُصَبِّرُهُ عَلَى مَا
يَلْقَى([2]).
المرةُ
الثَّانِيَةُ: رَأَى جِبْريلَ فِي صُورَتِه المَلَكِيَّةِ لَيْلَةَ المعراجِ عِندَ
سِدْرةِ المُنْتَهى، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 13- 14]، أَمَّا فِي
بَقِيَّةِ الأَحْوَالِ فَكَانَ يَأْتِي إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي
صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَحْسَنِ الرِّجَالِ.
قَوْلُهُ: «شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ» مِنَ النَّظَافةِ، وقَوْلُه: «شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ» يَعْنِي: فِي صُورَةٍ جَمِيلَةٍ، في هذا دَليلُ عَلَى أَنَّ طَالِبَ العِلْمِ
([1])أخرجه: البخاري رقم (3235)، ومسلم رقم (177) واللفظ له.