×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

تُشْغِلُهُ عَنْ تَلَقِّي العِلْم.

ثُمَّ سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وهذا فيهِ أَنَّه إِذَا جَلسَ واطْمَأَنَّ فَلهُ أَنْ يَسْألَه، ولا يَسْأَلُ أَوَّلَ مَا يَأْتِي وَإِنَّمَا يَجْلِسُ أَوَّلاً مُتَأَدِّبًا ثُمَّ يَسْأَلُ، هذه صِفَةُ طَالبِ العِلْمِ، وهَذه آدَابُ طَالبِ العِلْمِ، سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهُو في الحقيقةِ عَالِمٌ بِالجَوابِ، لكنَّهُ سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ليُعلِّمَ أصْحابهُ، وهذا فيه التَّعْلِيمُ بطَرِيقةِ السُّؤَالِ والجَوابِ؛ لأَنَّهُ أَنْبَهُ للذِّهْنِ، فتَسْأَلُ الطَالبَ أَولاً ثُم تُجِيبُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَنَبَّه، أَمَّا إِذَا أَلْقَيْتَ عَليهِ العِلْمَ ابْتِداءً فإنّهُ قَد لا يَتَنَبَّهُ، فَمِنْ طُرقِ تَعلِيمِ العِلْمِ النَّافِعةِ السُّؤَالُ والجَوابُ.

فقالَ: «أَخْبِرْنِي عَنْ الإِْسْلاَمِ» أَي: بَيِّنْ لِي حَقيقةَ الإِسلامِ؛ لأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَقِيقةِ الإِسْلامِ، فَلاَ يَكْفِي أَنَّ الإِنْسانَ يَنْتَسِبُ إِلى الإِسلام، أَو يَقولُ: أَنا مُسلمٌ، وهُو لا يَعْرِفُ حقيقةَ الإسلامِ؛ لأَنّهُ إذا لَم يَعْرفْ حَقيقةَ الإِسلامِ لَمْ يَعملْ بِه؛ إِذ كَيفَ يَعْملُ بشيءٍ يَجْهلُه؟! فالإِسلامُ لا يَكْفي فِيه الانْتِسابُ مع الجَهْلِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفةِ حَقيقتهِ حتَّى يُؤَدِّيهِ على الوَجْهِ المطْلُوبِ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الإِْسْلاَمُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»، هذه الأَرْكَانُ الخَمْسةُ لا بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا مَعَ اعْتِقَادِ القَلْبِ، وما زَادَ عَلَى هذه الخَمسةِ مِنَ الوَاجباتِ أَو مِنَ المُسْتَحَبَّاتِ، وتَركِ المحَّرماتِ والمكْرُوهاتِ فإِنَّه مُكَمِّلٌ لهذه الأَرْكانِ، إِمَّا تَكْمِيلاً وَاجِبًا، وَإِمَّا تَكْمِيلاً مُسْتَحَبًّا، فهذِه الأَرْكَانُ هِيَ الأَسَاساتُ


الشرح