×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الإِسْلاَمُ، ثُمَّ تَأْتِي بَقِيَّةُ الأَعْمَالِ مِنْ وَاجِبٍ ومُسْتَحبٍ، أَمَّا إذا تَركَ العَبدُ هَذه الأَرْكانَ أَوْ تَركَ شَيئًا مِنهَا فَلَن يَنفَعَهُ ما عَداها مِنَ الوَاجِباتِ أَوِ المسْتَحبَّاتِ؛ لأَنَّه لَمْ يَبنِ على أَساسٍ، فالبِنَاءُ إِنَّما يَقومُ على أَسَاسٍ.

فهَذه الأَرْكانُ ليسَتْ هِيَ كُلَّ الإِسلامِ، وإنَّما هِيَ أَرْكَانُه فقط ودَعائِمُه، وإِلاَّ فالإِسلامُ واسعٌ، وكُلُّ ما أَمرَ اللهُ بِه وَتَرْكُ ما نَهَى عَنْه فَإِنَّهُ مِنَ الإِسلامِ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»([1])، فَالإِسْلاَمُ يَشْمَلُ فِعْلَ الأَوَامرِ وتَرْكَ الْمَنهِيَّاتِ، فَإِنْ نَقصَ شَيءٌ فإِنَّهُ إِنْ كانَ النَّقْصُ في الأَرْكانِ فإِنَّه لا يَصِحُّ لَهُ إِسلامٌ، وإِنْ كان النَّقْصُ في غَيْرِها فإِنَّه يكونُ إِسلامًا ناقِصًا بحسَبِ ما تُرِكَ، واللهُ جل وعلا يَقولُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة: 208] أَيْ: ادْخُلُوا فِي الإِسلامِ كُلِّه، فلا تَأْخذُوا بعْضَه وتَترُكوا بَعْضَه، بَل يَأْخُذ المسلِمُ مِنَ الإسلامِ ما يستطِيعُ، ولا يقْتَصرُ على بعْضِه ويقولُ: هذا يَكفي.

والإِسلامُ: هُو الاستِسلامُ للَّهِ عز وجل بالتَّوحيدِ، والانْقيادُ لهُ بِالطَّاعةِ، والبَراءةُ مِنَ الشِّرْكِ وأَهْلِه. هذا تَعْرِيفُه العَام؛ كما ذَكَرهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله، ونقَلَهُ عَنهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي «ثَلاَثَةُ الأُصُولِ»، هذا هُوَ الإِسلامُ بِمَعْناهُ العَامُّ، وهذه الخَمْسةُ هِيَ أَرْكَانُه ودَعَائِمُه، فليسَتْ هِيَ كُلَّ الإِسلامِ، بَلْ هِيَ مَبانِيه؛ كما فِي


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (10)، ومسلم رقم (40).