ولكنَّ المُرادَ نَفْيُ الآلِهَةِ الَّتِي هِيَ
حَقُّ، وإِلاّ فَهُنَاكَ آلِهَةٌ كَثِيرةٌ بَاطلةٌ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ
الشَّمْسَ، ومنهم من يعبد القمر، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الكَوَاكِبَ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الشَّجرَ وَالحجرَ، ومِنهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الأَمْوَاتَ
وَالقُبُورَ وَالأَضْرِحَةَ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ البَقَرَ؛ كَمَا
هُوَ مَوْجُودٌ فِي الهِنْدِ، بَلْ هُنَاكَ مَنْ يَعْبُدُ الفُرُوجَ - وَالعِيَاذُ
بِاللهِ - فَالآلِهَةُ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّ الإِلَهَ الحَقَّ هُوَ اللهُ جل وعلا،
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ
هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].
و«الإِلَهُ»
مَعْنَاهُ المَعْبُودُ، أَيْ: لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلاَّ اللهُ، فَيَنْفِي هَذَا
كُلَّ مَعْبُودٍ بِالبَاطِلِ، وكُلُّ ما سِوَى اللهِ فَهُوَ مَعْبودٌ بالباطلِ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62]، فَهَذَا مَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ
تَقْدِيرُ الخَبَرِ «مَوْجُودٌ» مِثْلَ ما يَقولُه بَعضُ النَّاسِ: لا إِلهَ
مَوجُودٌ. فإِنَّ هذا غَيرُ صَحيحٍ، فالآلهةُ الموْجُودَةُ كثِيرَةٌ، وكُلٌ
يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ يَعْبُدُونَ آلِهَةً مُتَفَرِّقَةً، مُنْذُ حَدثَ
الشِّرْكُ فِي الأَرْضِ وإلى أَنْ تَقَومَ السَّاعَةُ وَالشِّرْكُ مَوْجُودٌ
وَالمعْبُودَاتُ مَوْجُودَةٌ وَكَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّ الإِلَهَ الحَقَّ هُوَ اللهُ
عز وجل، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي
فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف: 84]، فَاللهُ سبحانه
وتعالى لَهُ الأُلُوهِيَّةُ الحقَّةُ، وَأَمَّا ما عداها فَأُلُوهِيَّتُه بَاطِلَةٌ،
ومَعْبُودٌ بِغَيْرِ حَقِّ، فَهَذَا مَعْنَى «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ»
وهذا إِعْرابُها عِندَ المُحقِّقِين مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَمَعْنَى «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» أَيْ: أَعْتَرِفُ وأُقِرُّ أَنَّ مُحَمَّدًا رسولٌ مِنَ اللهِ، أَرْسَلَهُ إلى النَّاسِ كافَّةً، إلى الثَّقَلينِ: الجنِّ والإِنْسِ،