فلا بُدَّ مِنَ الإِقْرارِ بِرسَالتهِ ظَاهِرًا وباطِنًا،
ظاهِرًا بِاللِّسانِ، وباطِنًا بالقَلْبِ، أَمَّا مَنْ يَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ
اللهِ بِاللِّسانِ ويُنكِرُ بِالْقَلْبِ فهذا مُنَافِقٌ، قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ
الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، كَاذِبُونَ فِي شهادتِهم؛
لأَنَّهم لا يَعْترفُونَ لك بالرِّسالةِ بقلُوبِهِم، وإِنَّما يتَلَفَّظُونَ
بِذلكَ لأَجلِ مطَامِعِ الدُّنْيَا والعَيْشِ معكُمْ، ﴿اتَّخَذُوا
أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: 2]، يَعْنِي سُتْرَةً
يَسْتَتِرُونَ بِهَا، وإِلاَّ فَهُمْ كُفَّارٌ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلاَ بُدَّ مِنْ
الاعْتِرَافِ بِرِسَالَتِهِ صلى الله عليه وسلم ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَكَذَلِكَ الذِي
يَعْتَرِفُ بِرِسالتِهِ باطِنًا وَيَأْبَى أَنْ يَنْطِقَ بِهَا ظَاهِرًا هَذَا
لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، فَالمشْرِكُونَ يَعْتَرفونَ أَنه رسولُ اللهِ، قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ
لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، يَعْتَرِفُونَ
أَنَّهُ رسولُ اللهِ، لكنْ منعهُم الكِبْرُ ومنعتهُم الحَمِيَّةُ الجاهلِيَّةُ
لآلهتِهمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِرِسالتِهِ صلى الله عليه وسلم.
أَيْضًا اليهُودُ والنَّصارَى يَعْتَرفونَ أَنه رسولُ اللهِ بِقُلُوبِهِمْ، لَكِنْ جَحَدُوا هَذَا، وَلَمْ يَعْتَرِفُوا بِأَلْسنتِهِمْ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ [البقرة: 146] أَيْ: رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146]، فَلاَ يَكْفِي الاعْتِرَافُ بَأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ بَاطِنًا فِي القَلْبِ مَعَ عَدَمِ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ لمنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ المشْرِكِين واليهُودَ والنَّصَارَى كانُوا يعْتَرفونَ أَنَّه رسولُ اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ، لَكِنْ أَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِأَلْسِنَتِهِمْ، خَوْفًا عَلَى دُنْيِاهُمْ، أَو خَوْفًا عَلَى