«يَنْفُخُ
فِيهِ الرُّوحَ» وهذا من آياتِ الله عز وجل، وهذا كما في قولِه تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ [المؤمنون: 12]، هذا آدمُ عليه
السلام، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً
فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 13]، هذه الأربعون
الأولى، عَلقَةً: يعني دمًا، يعني قِطْعة لَحْم، ﴿فَخَلَقْنَا
الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا
آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]، قال تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ
أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 14] هذه الأطوارُ التي تأتي على الجَنينِ في بطنِ
أُمِّه: طور النُّطفة، طُور العلقة، طُور المُضْغة، طُور العظام واللَّحم، ثمَّ
يكونُ إنسانًا، هذا خَلْقُ الإنسان، وهذا من عجائبِ قدرةِ الله جل وعلا، قال
تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ [الزمر: 6]، ﴿ظُلُمَاتٍ
ثَلاَثٍ﴾: ظُلْمَة البَطْن، وظُلْمَة الرَّحِم، وظُلْمَة
المَشِيمة، الجَنين في هذه الظُّلمات الثَّلاث.
قال: «وَيُؤْمَرُ
بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ» ثُمَّ بعد نفخِ الرُّوح فيه يُؤمَر المَلَكُ بكَتْبِ
أربعِ كلمات، يكتب كتابةً خاصةً بهذا الجَنِين، وهناك كتابةٌ عامَّةٌ لجميعِ
الخَلْق، وهذه في اللَّوحِ المحفوظ، أمَّا هذه فهي كتابة خاصَّة لكلّ جنين، وهي
منقولة من اللّوح المحفوظ وليست كتابةً جديدةً.
قال: «بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ»، فلا يَخرُج الرِّزقُ عن هذه الكتابة، ليس للإنسانِ إلاَّ ما كُتِب له، ولا يأخُذُ من العُمْرِ في الدُّنيا إلاَّ ما كُتِب له من العُمْر، ولا يَعمَلُ شيئًا من خيرٍ أو شرٍّ إلاَّ بمُوجَبِ ما كُتِب عليه، وهو مُيسَّر له، فلا يكونُ شقيًّا أو سَعيدًا إلاَّ بحَسَبِ ما كُتِبَ له في اللَّوحِ المحفوظِ وفي بطنِ أُمِّه.