فقوله: «عَصَمُوا
مِنِّي دِمَاءَهُمْ» فيه دليلٌ على تحريمِ قتالِ المسلمين؛ لأنَّ المسلمَ
معصومُ الدَّم، لا يجوزُ سفكُ دمِه بغيرِ حقٍّ، والأموالُ معصومةٌ كذلك؛ لقولِه
صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إلاَّ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ»
«[1])، فمالُ المسلمِ مثلُ دمِه
حرام، وكذلك عِرضُه حَرام؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»([2])، فلا يجوزُ أنْ
يُغْتصَبَ مالُ المسلمِ أو يُؤخَذ بغيرِ حقٍّ، إلاَّ بطيبةٍ من نفسِه، إلاَّ إذا امتنَعَ
من أداءِ حقٍّ عليه؛ كالزَّكاةِ أو الدُّيونِ التي عليه، فإنَّه يُلزَمُ بأداءِ
الحقوقِ التي عليه.
قوله: «عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» هذا فيه دليلٌ على حُرْمةِ دمِ المسلم ومالِه، وفيه دليلٌ على أنَّ القتالَ في الإسلامِ إنَّما هو لإعلاءِ كلمةِ الله، ونَشْرِ الإسلام، هذا هو الغَرَضُ من الجِهاد، في سبيلِ الله، ليسَ الغَرضُ منه الاستيلاءُ على المَمَالكِ أو أخذ الأموال، أو التَّرأُّس على النَّاس، وإنَّما الغَرَضُ منه إعلاءُ كلمةِ الله سبحانه وتعالى، وهذا لصالحِ البَشريَّةِ ورحمةً بهم، لم يترُكْها اللهُ تتخبَّطُ وتَضيعُ وتدخل في النَّارِ يومَ القيامة، بل رحِمَها اللهُ ودلَّها على الطَّريقِ الصَّحيح، وأرسلَ إليها الرَّسول، وأنزلَ الكتابَ لمَصلَحتِها، فليس القَصْدُ من الجهادِ الانتقامَ من الكفَّار، وإنَّما القَصْدُ منه إدخالُ من شاءَ اللهُ في الإسلام، وإخراجُهم من الكُفر، وكفُّ شرِّ مَن أبَى الدُّخولَ في الإسلام؛ لأنَّ
([1]) أخرجه: أحمد رقم (20695)، وأبو يعلى رقم (1570)، والبيهقي في «الشعب» رقم (5105).