من تِلقَاءِ أنفُسِهم، أو مِن مُسْتَحْسِنات
عُقُولِهم، وإنَّما يَفعَلون مَا يُؤْمَرُون، ويَترُكُون ما نُهُوا عنه، قال اللهُ
تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، فهُم مَأْمورون
ومَنهيُّون من قِبلِ الله جل وعلا؛ لأنَّهم كُلَّهم عِبادُه، فلا يَسبِقُونه
بالقَوْل، ولا يَتقدَّمُون بينَ يَدَي اللهِ ورسولِه بقَولٍ أو بفِعْل، وإنَّما
يتَّبِعون الأوامِرَ فلا يَفعَلُون إلاَّ مَا أَمَر اللهُ به، ولا يَتركُون إلاَّ ما
نهَى اللهُ عنه؛ لأنَّهم عِباد، والرُّسُل عِباد، والمَلاَئكةُ عِبَاد، ولو كانوا
بمَنزِلةٍ عظيمةٍ وجَلالَةِ قَدْر، لكنَّهم عِبادٌ يتَّبعُون أوامرَ الله سبحانه
وتعالى.
قال: «أَمَرَ
الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ»، ثمَّ ذكَرَ الشَّاهدَ والدَّليلَ
على ذلك، فاللهُ أمَر المُرْسلين بقَولِه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ قوله تعالى: ﴿كُلُوا
مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أي مِنَ الحَلاَل،
الطَّيِّب: هو الحَلاَل، والخَبيثُ هو الحَرَام، واللهُ أمَرَ بالأكْلِ من الطَّيِّباتِ
أي من المُبَاحَات، ونَهَى عن الأكْلِ من الحَرَام والخَبَائث، ثُمَّ ذكَر ما
يترتَّبُ على أكْلِ الحَلاَل قال: ﴿وَاعْمَلُوا
صَالِحًا﴾، فأكْلُ الحَلالِ يُعينُ على العمَل الصَّالِح،
ويَجعَلُ العملَ الصَّالحَ مُتقبَّلاً، وأمَّا أكلُ الحَرامِ فإنَّه يُثبِّطُ
ويُكسِّل عن العَملِ الصَّالح، ويُخذِّل الإنْسان.
ولذلك تجِدُ الَّذين يأكلُون الحَرَامَ ويَكتَسِبون الحَرَامَ من أبعدِ النَّاسِ عن الطَّاعاتِ وعن العِبَادات، وأكْسَلِ النَّاس عنِ الصَّلَوات؛ لأنَّ الحَرامَ ثَقُل في بُطُونِهم وقُلُوبهم فكسَّلَهم عن الطَّاعة، بخِلاَفِ الذي يتغذَّى بالحَلاَل، ويتحرَّى الحَلاَل؛ فإنَّ ذلك يُعينُه على طاعةِ اللهِ، ويُلِينُ قلبَه ويُرقِّقُه.